لآخر المستجدات تابعنا على قناة تلغرام

تابعنا
مقالات

إدلب آخر المعارك! / حاتم استانبولي

تكرار الاعتداءات الإرهابية على مواقع الجيش من قبل تنظيم النصرة يضع إدلب في عين العاصفة.

الاعتداءات المتكررة تشكل خروجًا عن اتفاقات أستانة، وإحراجًا للموقف الروسي الإيراني الذي يخضع للابتزاز التركي الذي بدوره يخضع لابتزاز جبهة النصرة، التي فرضت وأحكمت سيطرتها على إدلب ومحيطها ووضعت كافة الفصائل المسلحة ضمن إستراتيجيتها.

النصرة تريد أن تقدم نفسها على أنها ما زالت خارج أجندة أستانة وأطرافها. النصرة تريد أن تؤكد على أن مشروعها هو محاربة الجيش العربي السوري تحت عنوان إسقاط النظام، لإرسال رسالة إلى البيت الأبيض وحلفائه بأن هذا الشعار ما زال ممكنا عبر العمل العسكري هذه الرسالة التي تترافق مع خروج القوات الأمريكية.

تريد النصرة أن تقدم نفسها كقوة عسكرية بديلة من الممكن الاعتماد عليها وهي قوة على مسافة من أنقرة. بالرغم من اعتبار جبهة النصرة تنظيمًا إرهابيًا إلّا أنه يحظى بحماية معنوية من قبل التحالف الغربي، هذا الموقف يُشرَّع تحت عنوان الوضع الإنساني في إدلب وعنوان الكيماوي الذي أصبح مكشوفًا.

ولتأكيد ذلك، فإن جبهة النصرة لم تتجاوب مع الموقف التركي المتمثل بإعلان الأكراد وأحزابهم خطرًا أو عدوًا مباشرًا لها.

اعتداءات النصرة تريد أن تجعل من إدلب قاعدة ارتكاز لاستنزاف الجيش العربي السوري وخلق حالة من عدم الاستقرار في الشمال السوري، تستثمرها كلٌ من تركيا لتثبيت مواقعها، وتريدها جبهة النصرة لإعلان استمرار شرعية وجودها.

الموقف المعلن للإخوان المسلمين بالطلب من تركيا، بسط سيطرتها الإدارية والقانونية على الشمال السوري ليكون مدخلًا قانونيًا لإنشاء جيش يحظى بقانونية وتمويل تركي، ليُستَثمَر كورقة لطرح إعادة بناء الجيش السوري بهدف تغيير بنيته وعقيدته القتالية، ومن جانب آخر سيكون قوة منظمة محلية لحماية منطقة النفوذ التركي على طريق تذويب طابعه العربي السوري وإلحاقه بالدولة التركية، هذا الموقف يكشف الدور اللاوطني للإخوان المسلمين وحلفائهم ويكشف كذب وادّعاء القوى الإقليمية الداعمة لهم، التي تطرح موقفًا لفظيًا بضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وبذات الوقت تقوضه من خلال دعم الوجود التركي وتشريعه والوقوف أمام عودة سورية للجامعة العربية.

إن الحماية المعنوية لجبهة النصرة وأحرار الشام من قبل التحالف الغربي الذي يعلن كل فترة أن استعمال الأسلحة الكيماوية في إدلب سيكون له ارتدادات على دمشق، هذا الموقف المتكرر يحمل في جوهره ابتزاز لدمشق ولروسيا، لإبقاء الحالة في جمودٍ، تستثمره الحكومة التركية لتثبيت مواقعها وتشريعها إداريًا وقانونيًا ويعطي جبهة النصرة الحماية المعنوية.

إن شعار وحدة الأراضي السورية يفهمه كل طرف من أطراف الصراع الإقليمي والدولي بما يتوافق مع مصالحه وطموحاته.

حليفتا سورية، روسيا و إيران تؤكدان على أن وحدة الأراضي السورية هو هدف وطني سوري له أولوية، ومدخلٌ لأية اتفاقات بشأن سورية، ولا مساس بأراضي سورية ووحدتها السياسية والجغرافية.

أمريكا وإسرائيل تفهمان وحدة الأراضي السورية على أنها لأراضي ما بعد العام  1967، وتُريدان إخراج الجولان المحتل من أجندة أيّ حوارٍ، وتسعى إسرائيل إلى أن تستصدر قرارًا أمريكيًا يماثل قرار ضم القدس كعاصمة للدولة اليهودية، فهما “أمريكا وإسرائيل” تريان أن سورية القادمة سيكون للأكراد دورٌ رئيسي في تكوينها السياسي والعسكري.

تركيا و”الإخوان المسلمون”، يريان أن وحدة الأراضي السورية مدخلٌ لدمج الإخوان المسلمين في الصيغة السياسية والعسكرية بهدف تغيير بنية النظام السياسي وإعادة بناء عقيدته السياسية القتالية وتشريع السيطرة التركية على شمال سورية عبر استخدام اتفاق أضنة مدخلًا له.

الأكراد والنصرة يريدون تغيير الطابع الوطني التحرري العربي لسورية عبر تغيير جوهر النظام السياسي للدولة السورية وإخضاعها للشروط الأمريكية الإسرائيلية.

الدولة السورية ترى أن عنوان المعركة القادمة يحمل أبعادًا وطنية ديمقراطية تحررية يتداخل فيها البعد التحرري مع البعد الديمقراطي, أي أن المعركة الوطنية التحررية تتطلب إنجازات ديمقراطية شعبية للحفاظ على الانتصارات التي حققت عبر إشراك أوسع قاعدة شعبية في حماية الإنجازات.

المرحلة القادمة تتطلب مطالبة صريحة من قبل الحكومة السورية لإشراكها في اجتماعات أستانة لكونها المعنية في تقرير مستقبل سورية، وهي الممثل القانوني للدولة السورية وأي حديث عن الشأن السوري مدخله الحكومة السورية ولتحقيقه تصبح ضرورة حسم الموقف في إدلب أما سياسيًا عبر الحوار وإعطاء هذا البعد الوقت الكافي وإذا لم ينجح فإن خيار الحسم العسكري يصبح خيارًا وحيدًا رغم ألمه.

هذا المطلب أصبح ضرورة وطنية ملحة لتبديد كل الطروحات التي تقول إن القرار السوري السياسي مصادر من قبل موسكو وإيران.

الموقف الخليجي يرى سورية بعيون إسرائيلية، تحت عنوان الخطر الإيراني، ويطرح معادلة فك التحالف الإيراني- السوري مقابل تغيير الموقف الخليجي، وهذا يتوافق مع الموقف الاسرائيلي الذي يرى مهمته هو إخراج إيران من سورية.

الواقع والمعطيات الإقليمية تقول إن هنالك أخطارًا تواجه أربع حلقات في الشرق العربي، يتم التعاطي معها بشكل منفرد، الحلقة السورية والفلسطينية والأردنية والعراقية، هذه المخاطر عنوانها صفقة القرن، لكسر الفلسطينية وتفتيت السورية وإلغاء الأردنية وإعادة بناء العراقية.

هذا الواقع يتطلب من هذه الحلقات ولكي تحافظ على مصالحها الوطنية والقومية، أن تجد القاسم المشترك الذي هو موجود موضوعيًا.

إن السياسات الإسرائيلية الخليجية الأمريكية وملحقاتهم، تشكل الخطر الداهم على هذه الحلقات، وهي سياسات تمارَس يوميًا عبر سياسات عملية من إفقارٍ ودعم القوى الأكثر رجعية، والاستثمار في القوى الانفصالية التفتيتية والتلاعب بالمكونات الداخلية.

كل هذه الأخطار المشتركة هي أخطار تجعل من ترابط الحلقات الأربع أمرًا ضروريًا للحفاظ على الذات الوطنية ومصالحها المشتركة وتفتح تعاون له أبعادٌ سياسية واقتصادية وثقافية.

التنسيق الفلسطيني الأردني مطلوبٌ توسيعه ليشمل كلًا من سورية والعراق، إضافة إلى لبنان، ليشكل عاملًا للصمود أمام الهجمة الشرسة التي تستهدفهم عبر تغييرات جوهرية، ترمي إلى إنجاز التفتيت والإلغاء وإعادة التركيب والكسر والإلحاق.

حسم معركة إدلب سياسيًا أم عسكريًا هو المدخل لوقف المخاطر التي تستهدف الحلقات الأربع، وهي التي تفتح الباب أمام إعادة البناء بمشاركة شعوب المنطقة وقواها ومؤسساتها.

حسم معركة إدلب هو مدخلٌ لمحاصرة الموقف التركي الذي يدعي أن أمنه القومي مهددٌ من الحدود السورية، التي هي خارج سيطرة الحكومة السورية، هذا الموقف يعزز ضرورة حسم معركة إدلب ووصول الجيش العربي السوري للحدود الدولية.

وبذات الوقت حسم معركة إدلب هو تقويضٌ للموقف الكردي الذي يطرح من على قاعدة الدعم الأمريكي البريطاني الفرنسي الذي يهدف إلى تقويض وحدة سورية السياسية والاقتصادية والعسكرية، عبر تشريع كيانٍ سياسي له قوى عسكرية مستقلة عن الجيش العربي السوري.

إن إعادة إحياء فكرة الدولة الكردية في شمال العراق سيكون مدخله شمال سورية، لخلق وقائع مادية يصبح من الصعب تجاوزها في المستقبل وإعطاء شرعية قانونية دولية لها.

معركة إدلب هي معركة وحدة سورية وإسقاط مخطط فصل شرق الفرات بإمكانياته الاقتصادية والجغرافية والبشرية، إن وحدة سورية مترابطة مع وحدة العراق جغرافيًا وسياسيًا وهذا يشكل دعمًا للموقفين الفلسطيني والأردني المستهدفيْن بصفقة القرن.

 

بواسطة
حاتم استانبولي
المصدر
بوابة الهدف الاخباري
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى