لآخر المستجدات تابعنا على قناة تلغرام

تابعنا
أخبار محلية

القيادي العمالي أحمد مراغة لـ نداء الوطن: قانون العمل يشكل نكسة للحركة العمالية والحكومة استغلت تراجع دور النقابات المستقلة والحراك الشعبي لتمريره

نلتقي في هذا العدد بالقيادي العمالي الرفيق أحمد مراغة عضو اللجنة المركزية لحزب الوحدة الشعبية وعضو هيئة تنفيذية للاتحاد العام للنقابات المستقلة ورئيس النقابة المستقلة للعاملين في الصناعات الدوائية. وحديث حول واقع العمال والحركة العمالية في الأردن.

نداء الوطن: تراجع دور الحركة العمالية في بداية سبعينيات القرن الماضي، بالتزامن مع تعديلات كبيرة طالت قانون العمل، وقيدت النقابات العمالية وجعلتها أسيرة للسلطة التنفيذية وأداة في يدها. كيف تقرأ تلك المرحلة، ونجاح السلطة في ضرب الحرة العمالية ونقاباتها والسيطرة عليها؟
مراغة: لقد تم اغتيال الحركة النقابية العمالية عندما أقدمت السلطة التنفيذية على تعديل قانون العمل عام (1976) خاصة المادة (98) المتعلقة بتأسيس النقابات وسمي بالتصنيف المهني وحصرت المسألة ب»المهنة الواحدة»، وأعطت صلاحية التصنيف إلى وزير الشؤون الاجتماعية والعمل آنذاك وكانت نتيجة التصنيف بأن قلص عدد النقابات إلى سبع عشرة نقابة، وهي على هذا الحال حتى يومنا هذا.
ولم تكن الإجراءات قانونية فحسب وإنما استبيحت هذه النقابات بالتدخلات الأمنية المباشرة في انتخاباتها بحرمان القيادات النقابية الوطنية من الترشح واحياناً بالاعتقال حتى تمكنت من هيمنة قيادات فاسدة متنفذة ومطواعة غيبت قاعدتها العمالية وطاردة لهم.
أفرغت هذه النقابات من محتواها وفكت ارتباطها بالعمال، وأمست كأنها دائرة من دوائر الدولة حريصة على مكاسبها الشخصية، تاركة العمال تحت رحمة أرباب العمل، ومازالت هذه الطغمة على رأس هذه النقابات منذ سنين طويلة تجدد لنفسها بالتزكية لدورات عديدة، حيث أغلبها لا تملك عضوية عاملة سوى الهيئة الادارية التي يختارها رئيس النقابة وفق أهوائه.
وحتى تكون الصورة واضحة لابد من استعراض حال النقابات العمالية قبل حصول هذه الجريمة بحق أكبر شريحة اجتماعية في المجتمع، انتزعت حقها في تنظيم نفسها في نقابات حرة وديمقراطية عبر نضالات استمرت لسنوات حتى تمكنوا من انتزاع تشريع قانون نقابات العمال رقم (35) لعام (1953) ينص على أن سبعة عمال في المنشأة يحق لهم تأسيس نقابة، حتى لو تشابهت هذه المنشآت في المهنة.
وعليه كانت الجاهزية قائمة حيث تأسس في أقل من عام واحد أكثر من خمسة عشر نقابة، وفي نفس العام تأسس الاتحاد العام للنقابات العمالية، وتوالى تأسيس النقابات حتى تجاوزت (36) نقابة، واستطاعت هذه النقابات واتحادها الحصول على قانون عمل عام (1960) وقبلها قانون تعويض العمال عام (1955)، كما استطاعت استقطاب العمال لعضويتها وثقتها بالدفاع عنهم وتحصيل مكتسبات ملموسة لهم، والأهم ممارسة العملية الديمقراطية في تولي الإدارة.
هكذا كانت النقابات العمالية ديمقراطية مخلصة لعمالها، حريصة على أداء الأمانة كما يجب أن تكون، هذا الأداء لم يرق لاصحاب العمل والسلطة التنفيذية خشية من أن يتعاظم هذا الدور ويكبر، خاصة بأن يكون العمال في مستوى من الوعي والتنظيم والقوة لتحافظ على مكتسباتها ومعارضة للنهج الاقتصادي الفاسد هم أكبر ضحاياه.
نداء الوطن: قبل أيام تم إقرار قانون العمل، الذي يشكل الانتكاسة الثانية للحركة العمالية. ورغم التعويل كثيرًا على مشروع القانون، إلا أن الحركة العمالية أصيبت بالصدمة من مخرجاته. هل ترى أن السلطة اختارت التوقيت المناسب لتمرير مشروع القانون، وقامت بالمماطلة في إقراره منذ أكثر من خمسة أعوام خوفًا من مخرجات لا تصب في صالحها؟
مراغة: تقدمت الحكومة لتعديل (39) مادة من قانون العمل إلى مجلس النواب في بداية الربيع العربي وقد صاحب هذه الفترة نهضة عمالية ملموسة عبر عنها بمئات الاحتجاجات العمالية، وبروز ظاهرة النقابات العمالية المستقلة، ساهمتا في تحريك المياه الراكدة منذ أربعة عقود مضت، والحركة النقابية العمالية في حال الموت السريري، بعدما احتوتها السلطة التنفيذية وأصبحت أداة من أدواتها، في هذا الظرف تم مناقشة هذه المواد في لجنة العمل النيابية بمشاركة جميع الاطراف المعنية ومنها اتحاد النقابات المستقلة، واستمر الحوار على مدى عدة أشهر وكانت النتائج افضل مما آلت اليه اخيراً، ومنذ ذلك الوقت أي منذ عام (2012) بقيت هذه التعديلات في أدراج مجلس النواب حتى عام (2018) ليحال مرة أخرى إلى لجنة العمل النيابية التي استثنت النقابات العمالية المستقلة من المشاركة في الحوار، وأقرت من المجلس مجافية لحرية التنظيم مخالفته للدستور والمواثيق الدولية، بل أكثر من ذلك حرمت أيه مجموعة من العمال من التفاوض بالنزاع العمال كما كانت في القانون الاصلي ومنحت الوزير والاتحاد صلاحيات، التدخل في الشأن الداخلي للنقابات، وهذا تراجع آخر يضاف إلى التراجعات التي حلت في عقود الأحكام العرفية وهي الآن بين يدي مجلس الاعيان الذي أحالها إلى لجنتي العمل والقانونية والأغلب أن يقر كما وردت من مجلس النواب إن لم يكن اسوأ.
لم يكن تأخير اقرار هذه التعديلات مدة تزيد على سبعة اعوام صدفة، بل هو تكتيك مقصود لتجنب مرحلة الحراك العمالي والسياسي الذي كان فاعلاً في مرحلة الربيع العربي الذي انعكس على شارعنا، ولو نوقشت هذه المواد في ظل زخم الاحتجاجات العمالية، وزخم المطالبة بحرية التنظيم النقابي الشعار الذي أطلقته النقابات العمالية المستقلة، لكانت النتائج أقل ضرراً مما حصل، لقد نجحوا في تكتيكهم وخسرت الحركة العمالية لأنها تراجعت في أدائها كما تراجع الحراك عموماً.
نداء الوطن: هل ترى في قانون العمل المعدل انحيازًا حكوميًا صارخًا لأصحاب لعمل على حساب العمال؟ وهل تعتبر هذا القانون بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للحركة العمالية النقابية؟
مراغة: إذا اقرت التعديلات في مجلس الأعيان كما جاءت من مجلس النواب، ستكون نكسة للحركة النقابية العمالية، وتكريس لحرمان أكبر شريحة اجتماعية في الوطن من أن ينظموا انفسهم بنقابات ديمقراطية حرة، ترعى مصالحهم وتدافع عنهم امام تسلط ارباب العمل وتواطؤ وزارة العمل، وغياب النقابات المنضوية في الاتحاد العام، إن النتائج التي أقرها مجلس النواب هي تعبير دقيق على ماهية هذا المجلس الذي جله اصحاب عمل، إنه انحياز صارخ لهذه الفئة، إنهم لم يحتملوا تفاوض مجموعة من العمال في المنشأه في ظل غياب نقابات حقيقية، بينما أصحاب العمل لهم مطلق الحرية في تأسيس النقابات، والفرق شاسع في عدد نقابات أصحاب العمل مقارنة بعدد النقابات العمالية المحصور.
كل ذلك جرى في ظل غياب وعي العمال عن حقهم في التنظيم، وتكتيكهم، هذا عمل عليه رسمياً وأمنياً لسنوات طويلة، وعليه سيبقى شعار حرية التنظيم النقابي مطروحاً حتى يرتقي وعي هذه الطبقة لمستواه، إنها مهمة طلائع النقابيين العمال الأحرار، وسينجحون كما نجح النقابيون المؤسسون.
نداء الوطن: بعد تراجع دور النقابات المستقلة وانقسامها، هل ترى أن العودة للنضال داخل اتحاد النقابات العمالية أصبح خيارًا مطروحًا؟ وهل نستطيع القول أننا وصلنا إلى طريق مغلق في ما يتعلق بإعادة توحيد النقابات المستقلة؟
مراغة: النقابات العمالية المستقلة ظاهرة حركت ما كان راكداً لعقود طويلة، ومازال شعارها المطالب بحرية التنظيم النقابي، قائماً وقد وجد من يدعم هذا الشعار على الصعيدين الداخلي والخارجي، ولكنها لم ترق قدرتها إلى تحويل هذا الشعار إلى واقع، والسبب الاساسي في ذلك هو العمال أنفسهم الذين غيبوا قسراً عن الوعي والفعل النقابي وضرورته، إنه العائق الرئيسي في تحقيق الشعار، أما الانقسام الذي حدث للنقابات المستقلة في عام (2015) وما زال قائماً ساهم في تراجع الفعل دون إلغاء الظاهرة، وفرصة التوحد وإنهاء الانقسام ما زالت قائمة، لأن أسباب الانقسام ليست مبدئية وانما شخصية لا بد أن تزول يوماً بزوال مسببيها، ولكن على الحركة العمالية ونشطائها أن يستثمروا كل الفرص الممكنة لانتزاع الحق في التنظيم النقابي الديمقراطي الحر، وهي تكتيكات مشروعة للوصول إلى الهدف دون المس بماهية الشعار، وقد جرت محاولات قبل الشروع بتأسيس النقابات المستقلة إلى اصلاح نقابات الاتحاد العام ولكنها باءت بالفشل لاسباب عديدة أهمها هيمنة محكمة من اشخاص وتواطؤ رسمي على مفاصل النقابات، والأخرى تشريعية ساعدت في احكام الهيمنة، ولكن هذا لا يمنع من ايجاد ثغرات للعبور واصلاح ما فسد، دون إلغاء ظاهرة النقابات المستقلة، خاصة وان النقابات العامة كانت قبل ذلك نقابات ديمقراطية وحرة.
نداء الوطن: الضمان الاجتماعي هو مستقبل العامل وعائلته، ألا تخشون على أموال العمال في ظل الحديث عن محاولات حكومية للسيطرة عليه؟ وكيف تنظر لمستقبل الضمان الاجتماعي وقانونه الذي يفرض أعباءً إضافية على العامل بين الفترة والأخرى، ويهمش الحركة العمالية من أن تكون صاحبة كلمة في هذه المؤسسة؟
مراغة: أنشئ الضمان الاجتماعي لتأمين حياة كريمة للمتقاعدين على اختلاف فئاتهم، وهذا لا يعني راتباً تقاعدياً فقط، وانما تشمل الرعاية الصحية والاجتماعية والثقافية، وهي ليست منّة من أحد، لأنها اموالهم، انها مقتطعات من رواتب العاملين الشهرية وما تدفعه المنشأة كنسبة من الرواتب بدل مكافأة نهاية الخدمة التي نص عليها قانون العمل والأصل أن تدار هذه الاموال من اصحابها عبر نقابات عمالية منتخبة حائزة على ثقة عمالها.
ولكن قانون الضمان الاجتماعي تجاوز هذا الحق ومنح الحكومة صلاحيات القرار في ادارة هذه الاموال، وهذا واضح في تشكيل المجالس واللجان التي تقود انشطة المؤسسة المالية والادارية، وإن أغلبية اعضائها يتم تعيينهم بقرار من مجلس الوزراء، واقلية ضئيلة من تمثل الاتحاد العام للنقابات العمالية، هم أربعة من خمسة عشر عضواً في مجلس الادارة، وعضوا واحداً من ستة اعضاء في مجلس التأمينات، وعضواً واحداً من تسعة في مجلس الاستثمار، ولا وجود لهم في كل من لجنة المراقبة ولجنة الحكومة الرشيدة، ولاصحاب العمل عدداً مساوياً لعدد ممثلي العمال.
هذا الترتيب الاداري جعل من الحكومة مطلقة اليد في التصرف بأموال الضمان الاجتماعي، فهي صاحبة القرار في اقتراض (4.6) مليار دينار من صندوق الاستثمار على شكل سندات، رغم أن قانون الضمان بنص في الفقرة (5) من المادة (19) المتعلقة بالموارد المالية للمؤسسة بأن الحكومة تقرض المؤسسة إذا تعرضت للعجز المالي، وما يجري هو العكس، الحكومة هي التي تقترض من الصندوق، وما يعنيه هذا الاقتراض، هو احتجاز أكثر من نصف رصيد الصندوق البالغ حوالي (9) مليار دينار لا يمكن تشغيله، هذا عوضاً عن الاستثمارات الخاسرة دون محاسبة، عوضاً عن أن نسبة عائدات الاستثمار لا يتجاوز (2 _ 3%) سنوياً، وهي نسبة ضئيلة وضعت المؤسسة في أوضاع حرجة غير قادرة على الوفاء مستقبلاً تأمين ال رواتب للمتقاعدين، وهذا ما اكدته الدراسات الاكتوارية التي حذرت من فقدان القدرة مستقبلاً، مما دفع المؤسسة إلى زيادة نسب الاقتصاع مرات عدة ليتجاوز هذا الخطر.
وما يزيد الخطورة على مستقبل هذه المؤسسة، انه رغم أقلية التمثيل العمالي في ادارة المؤسسة، هي نوعية هؤلاء الذي ينسبهم الاتحاد العام التي لا ترى في هذه العضوية إلا عاتداتها المالية، لهذا فإن صيانة هذه المؤسسة لا يكون إلا بوجود نقابات عمالية ديمقراطية موثوقة يوكل لها ادارة انشطة المؤسسة بكل مناحيها.

بواسطة
أجرى المقابلة: د. فاخر دعاس
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى