لآخر المستجدات تابعنا على قناة تلغرام

تابعنا
أخبار محلية

المديونية وعجز الموازنة ؟!

للمديونية وظيفتان: الأولى مرتبطة بزيادة النمو ومواكبة التطورات الاقتصادية والاجتماعية، والثانية تسديد عجز الموازنة, فالعلاقة جدلية بين عجز الموازنة والمديونية. فزيادة المديونية يتوجب أن تتناسب طردياً مع عجز الموازنة, إلا أن المديونية خلال العشر سنوات الاخيرة تفوقت عليها، بسبب ازدياد النفقات في الموازنة حيث حملت الموازنة لعامي 2016/2017 التزامات سابقة ببند مستقل دون إرفاق كشف تفصيلي خلافاً لما تتطلبه الموازنة من إيضاحات تفصيلية لكل بند من بنودها.

 فالأصل والصحيح ان يبقى عجز الموازنة في حدود السيطرة من حيث أن تتضمن بنود النفقات القدرة على تسديد أقساط القروض وفوائدها كعنصر من عناصر الموازنة، بشكل متوازن مع مديونية معقولة قادرة على تلبية طموحات الحكومة, كصانعة للموازنة مدافعة عنها والناجحة في تقديم كل ما يبرر صياغتها. هذه الطموحات الحكومية مطلوب أن تتوافق مع حاجات المجتمع المختلفة في التطوير والبناء, من حيث البنية التحتية أو التأثير والتأثر بقوى الاقتصاد الجزئي كالصناعة والتجارة وقطاع الخدمات الذين يؤثر بهم أداء المالية العامة بشكل عام. ويعكس ذلك في رفع نسبة النمو، وبالنتيجة رفع مستوى الإنتاجية بما يساهم في تخفيض نسبة البطالة ونسبة الفقر على حد سواء.

هذا السياق النظري يتطلب أن تكون هناك قوى حية في المجتمع تفرض هذا التوازن. هذه القوى يمكن تصنيفها بالأهلية والرسمية، فالأهلية التي يقع على عاتقها مراقبة أداء السلطات الرسمية، ومدى انسجام أدائها مع مواد الدستور التي حددت نطاق ومدى وحدود عملها دون تداخل بين سلطة وأخرى، كقوى الأحزاب والنقابات والجمعيات والأندية…. الخ، جميعها تتحمل مسؤولية مراقبة أداء السلطات الثلاث وتحديد مدى التزامها بنصوص القوانين وتوافق هذه القوانين مع نصوص الدستور.

هذا الواقع الذي تعاني منه المالية العامة ألا يكفي أن يكون مدخلاً لمحاسبة الفريق الاقتصادي على ما اقترف من أخطاء

 أما السلطات الرسمية خاصة سلطة الشعب التي تم اختيارها عبر صناديق الاقتراع، فقد حدد الدستور الأردني مهماتها في التشريع والرقابة على الحكومة، وكانت خطوة إيجابية أن يتم استبعاد أبناء هذه السلطة (النواب) من المشاركة في قيادة السلطة التنفيذية (الوزارة)، تأكيداً لمبدأ الفصل بين السلطات المتمثل بعدم مشاركة النواب في الحكومات.

خلافاً لذلك فقد حصل النائب مثلاً على الكثير من التعيينات متجاوزاً في ذلك نظام الخدمة المدنية. بالإضافة إلى التركيز على تقديم الخدمات الخاصة بمنطقته بالدرجة الأساس، متناسياً دوره الدستوري كنائب وطن, كل ذلك من أجل إقرار جملة القوانين المؤقتة الكثيرة التي توجب على النواب إقرارها أو أية قوانين ترى الحكومة ضرورة لإقرارها؟!! والتي فرضتها ظروف محلية وإقليمية وعالمية، كان الأبرز منها محاربة (الإرهاب) ومشتقاته بعد احتلال العراق وافغانستان !؟  تلا ذلك الحرب على داعش في السنوات العشر الأخيرة خاصة بعد (الربيع العربي) الذي اجتاح الوطن العربي في النصف الثاني من تلك الفترة .

هذه الطريق التي سلكتها سلطة الشعب، والتي أنتجتها عبر السنوات الماضية تحالفات القوى الرأسمالية والسياسية الحاكمة والتي لم تكتفي بتدخلها بصياغة التشريعات وخاصة قانون الانتخاب (الصوت الواحد) او (الدوائر الوهمية) بل تدخلت بقوى المجتمع وغضت النظر عن شراء الاصوات وكثير من الاحيان دأبت على تزوير الانتخابات لضمان مجلس نواب قادر على إقرار قوانين ذات أبعاد اقتصادية وسياسية أدت إلى مزيد من الضغط على ميزانية الأسرة، وضاعف من البطالة بين أبنائها ووسع من جيوب الفقر, خالقاً بيئة أنتجت اضطرابات اجتماعية جميعنا يدفع ثمنها اليوم.

شكلت هذه القرارات في المحصلة النهائية بيئة خصبة للتحولات السياسية التي يعيشها الأردن على شكل حراك من جهة وعلو صوت الكثير من العاملين او المتقاعدين من أبناء الدولة الأردنية في أكثر من قطاع سواء كان عسكرياً او مدنياً، مطالباً بإصلاح النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي على حدٍ سواء!؟ من جهة أخرى.

هذا الواقع رفع من كلفة المالية العامة ودفع الحكومات إلى الاستجابة لطلبات النواب ببعديها العام والخاص والتي كانت لا سقف لها!؟ مما جعل من هذه السياسات موضع انتقاد واستهجان من شعبنا والمراقبين الاقتصاديين والتي كان الأسوأ منها التعديلات الاقتصادية على التشريعات وخاصة منها التشريعات الضريبية حيث قننت الفساد بعد انحياز هذه التشريعات لصالح الأغنياء,

بعد أن أصبحت دخول الغالبية العظمى من أبناء شعبنا مصدراً لواردات الخزينة بدلاً من أرباح الأغنياء سواء كانوا اشخاص طبيعيين او معنويين والذين حققوا ارباحهم من نفقات هذه الغالبية لمدخولها, خاصة ان ذوي الدخل المتوسط والمحدود يشكلون ما يزيد على (90%) من مجموع المستهلكين.

ونظراً لزيادة السكان وتنوع وتطور البنية التحتية خاصة منها التعليم ، الصحة ، الطرق ……. الخ فإن حاجات الخزينة كانت في تصاعد جراء ذلك حيث اتسعت الفجوة ما بين النفقات والواردات، مما ضاعف من عجز الموازنة، واضطرت الحكومات للجوء إلى القروض كعلاج آني لازم الموازنة، ليصبح الاقتراض الملاذ الدائم لهذه المعالجة في ظل المعطيات السياسية التي يمر بها الوطن العربي رغم ما أفرزته من مساعدات دولية، دفعت الفريق السياسي والاقتصادي إلى الاعتماد عليها في إعداد الموازنة على فرضية  استمرارها؟!

وعلى قدر نجاح هذا الفريق في التعاطي والتفاعل والاستجابة لمتطلبات تلك المعطيات السياسية التي تمثلت في الحرب على (الإرهاب) ومشتقاتها المختلفة بما في ذلك التحجيم والتضييق على قوى المقاومة العربية في فلسطين والعراق ولبنان، كانت أمريكا والدول التي تسبح بفلكها تزيد من الضغط على الأردن سياسياً وتدفع أدواتها الاقتصادية (البنك الدولي, النقد الدولي) في الضغط عليه للتخفيف من الاعتماد على مساعدتها أو في تمرير سياساتها المعادية للأمة العربية.

إن ما وصلت إليه المالية العامة وتصاعد وتيرة المديونية لتقترب من الناتج المحلي الإجمالي يمثل منتج تحالف الفريق الاقتصادي والسياسي الذي عكس تزاوجاً غير شرعي بين مالك المال ومانح السلطة. ففي السنوات التي خلت بلغت أرصدة المديونية في سنة 1995 مبلغ (5) مليار و (441) مليون دينار وفي سنة 2000 ارتفعت الى (6) مليار و (279) مليون دينار وفي سنة 2005 الى (7) مليار و (494) مليون دينار وفي سنة 2010 الى مبلغ (12591) مليون دينار أما في سنة 2015 فقد بلغ رصيد المديونية مبلغ (24878) مليون دينار وفي شهر تموز /2017 فقد بلغت (26550) مليون دينار.

بلغت خدمة الدين المتوقعة حسب نشرة وزارة المالية لشهر تموز /2017 مبلغ (895) مليون دينار للدين الخارجي والدين الداخلي, منها  فوائد بمبلغ (489) مليون دينار.

هذا الواقع الذي تعاني منه المالية العامة ألا يكفي أن يكون مدخلاً لمحاسبة الفريق الاقتصادي على ما اقترف من أخطاء وفي ذات الوقت لفتح ملفاته الخاصة المتعلقة بثروته ما قبل انضمامه للفريق وحتى الآن، كمدخل من مداخل البحث عن حلول حقيقية لهذه الأزمة التي نعيش، والتي تعني خلاف ذلك أن تستمر السياسات الحكومية بتحميل الأردنيين دون ذنب اقترفوه الأزمة المالية التي نعيش من خلال فرض مزيد من الضرائب على الطبقة الفقيرة والمتوسطة؟!!

إن أموال القروض التي دخلت جيوب الفاسدين يجب أن تعود للخزينة من خلال القضاء أولاً والقضاء دائماً تأكيداً لمبدأ سيادة القانون الذي نطمح, والقوى الشعبية من أحزاب ونقابات وجمعيات ومؤسسات مجتمع اخرى مطالب منها أن تتحمل مسؤولياتها لتحقيق الإصلاح السياسي كمدخل للاصلاح الاقتصادي والاجتماعي الذي نحتاج, باعتبار أن أزمتنا الحقيقية هي أزمة سياسية بامتياز أولاً ودائماً.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى