لآخر المستجدات تابعنا على قناة تلغرام

تابعنا
فكر

الوعي وتجلياته الفلسفية / الأستاذ : وائل حمدي أبو صالحة

مفهوم الوعي ماركسياً
الوعي – شكل بشري خاص من عكس الواقع واستيعابه الروحي. إن الوعي والوجود مقولتان من أعم المقولات الفلسفية , تتوقف كيفية فهمهما على حل المسالة الفلسفية الأساسية.

فالفلسفة المثالية تعتبر الوعي شيئاً مستقلاً عن العالم الموضوعي, وخالقاً له, وفي هذا الإطار تحول المثالية الموضوعية ( افلاطون , هيغل ) الوعي إلى ماهية غيبية, فوق بشرية, معزولة سواء عن الإنسان أو عن الطبيعة, وترى فية علة للموجودات جميعا.
أما الفلسفة الماركسية فتحل المسألة على نحو مغاير تماما. فالسمات المميزة للفهم الماركسي هي:
1-الوعي اجتماعي بطبيعته. ويفكر الإنسان بواسطة الدماغ.
2-لا ينطوي الوعي على انعكاس العالم الموضوعي فقط , بل وعلى وعي الإنسان لنشاطه النفسي.
3-الوعي وثيق الاتصال باللغة, فهو يجد فيها تجسده المادي.
4-ثمة فوارق بين الوعي العادي ( الذي يهتدي به الناس في حياتهم اليومية ) وبين الوعي العلمي, بين الوعي الفردي والوعي الاجتماعي المعبر عن مصالح الطبقات والجماعات والمجتمع ككل.
5-لا تقتصر وظيفة الوعي على مساعدة المرء في التوجة الصحيح في الواقع المحيط, بل وتقوم في العمل, عبر تمثل هذا الواقع على المساعدة في تحوير العالم الواقعي, من هنا جاءت مقولة كارل ماركس “على الفلاسفة تغيير العالم لا وصفه”.
كيف يتشكل الوعي الاجتماعي؟
ولكي نوضح أيضا آليات تكون الوعي – يجب أن نميز بين وعي الذات ووعي الجماعة, بين الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي .
وعي الذات – وعي المرء لذاته كشخصية, وعيه لقدرته على اتخاذ قراراته المستقلة, وعيه في الدخول في علاقات مع الناس ومع الطبيعة, وعلى تحمل المسؤولية عما يتخذة من قرارات.
لم يتمكن الانسان البدائي خلال فترة طويلة من الزمن, من تمييز نفسه لا عن الطبيعة ولا عن الجماعة. فقد كان تدني مستوى أدوات العمل يتطلب أفعالا وأعمالا مشتركة في كافة ميادين النشاط. ولذا كان الإنسان مندمجا في الجماعة اندماجا كليا. ولكن التطور العلمي والسيطرة التدريجية على قوى الطبيعة, غير طابع الأعمال الجماعية.
إذن الإنسان يعي (الأنا) ويدرك استقلاليته الجسدية والروحية نتيجة تطور أدوات الإنتاج ووسائل الإنتاج. فوعي الجماعة يتحدد بالوجود الاجتماعي, فالوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي جانبان مترابطان من حياة المجتمع.
وهنا تظهر أشكال الوعي الاجتماعي , وتشتمل هذه الأشكال على الأيديولوجيا السياسية والوعي الحقوقي, والأخلاقي, والدين والعلم, والفن, والفلسفة .
والسؤال هنا – كيف تتشكل هذه الأشكال من الوعي السياسي والحقوقي؟
للإجابة عن هذا السؤال علينا أن نعي أن في كل مرحلة تاريخية هناك نمط إنتاج وعلاقات إنتاج اجتماعية تحكم المجتمع أو المجتمعات البشرية .
أي أن هناك نمط انتاج كبنية تحتية – ينعكس عن هذا النمط من الانتاج علاقا ت انتاج ومنظومة وعي تعبر عن نفسها كافكار فوقية وايديولوجية – تحكم المجتمع وتشكل وعية , ومن هذه الأفكار الفكر الديني والايديولوجيا الدينية كمنهج في التفكير .
في فجر التاريخ الانساني كانت أنماط الإنتاج وعلاقات الإنتاج بدائية وبسيطة , وكانت كل الأسئلة الوجودية إجاباتها دينية – غيبية وعلى هذا الأساس تشكل الوعي الانساني وعيا دينيا, وهذه الفترة التاريخية امتدت حتى بدايات الثورة الصناعية في أوروبا, وما رافق هذه الثورة الصناعية من تغيير في أنماط الإنتاج وعلاقات الإنتاج وما نتج عن ذلك من إجابات لأسئلة علمية وفلسفية شكلت الوعي الأوروبي فيما بعد, وهو وعي البرجوازية الأوروبية .
الوعي ومستقبل المجتمع العربي
وتبعا لقانون تفاوت التطور بين كل مجتمع وآخر , وبين كل أمة وأخرى … أرى أن من واجبي كمفكر ماركسي عربي أن أقرأ التاريخ العربي – قراءة نقدية وأقرأ الحاضر لأستشرف مستقبل مجتمعنا العربي – وأقف على معيقات هذا المستقبل.
وأطرح عليكم وعلى نفسي نفس أسئلة معيقات المجتمع الاوروبي في مرحلة تاريخية سابقة – هل نفس معيقات المجتمع الأوروبي سابقاً هي نفسها معيقات المجتمع العربي الآن؟
الإجابة بكل وضوح نعم. يقول مهدي عامل في كتابه أزمة حضارة أم أزمة برجوازية عربية (أن نمط الإنتاج في الدول العربية البرجوازية الحديثة هو نمط إنتاج كولونيالي تابع, وغير قادر على قطع الحبل السري مع الرأسمالية العالمية – أي مع نمط الانتاج الراسمالي العالمي).
وهذا صحيح , ولكن في ظل تكوّن البرجوازية العربية في دولة أو في دول. من هي الطبقة التي من مصلحتها قطع الحبل السري مع الرأسمالية العالمية؟ هل من مصلحة البرجوازية العربية قطع هذا الحبل؟ الجواب – لا
طبقة البروليتاريا هي المعنية بالتغيير, وهي صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير والتقدم. ولكن طبقة البروليتاريا هذه مأزومة بوعي ماضوي. إذن ما العمل؟
العمل هو البداية من الدولة ليس كإطار حقوقي فحسب بل وكإطار وعي فلسفي بمعنى هل كان من الممكن أن تطرح البرجوازية على نفسها أسئلة النهضة أو الثورة خارج إطار الدولة؟
الجواب – لا
لأن نمط الإنتاج في كل مرحلة تاريخية يحدد شكل الإنتاج وعلاقات الإنتاج – أي أن البنى الفوقية (الحقوقية, والتعليمية, والثقافية, والروحية) انعكاس لنمط الإنتاج.
عندما يكون نمط الإنتاج بدائي ومتخلف –أي أن البنى التحتية ما قبل صناعية تكون البنى الفوقية أيضا بنى هشة وضعيفة وإن تشكلت في دولة.
إذن سؤال النهضة خارج إطار الدولة ليس له مكان من الإعراب الفلسفي. فالدولة كإطار وعي اجتماعي غاية الأسئلة الاجتماعية وحاضنتها.

الأستاذ : وائل حمدي أبو صالحة
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى