لآخر المستجدات تابعنا على قناة تلغرام

تابعنا
أخبار دولية

انتخابات الرئاسة في البرازيل تحالف العمال والشيوعي يحمل برنامج لولا بدون لولا/د. عصام الخواجا

تعيش البرازيل ، سادس قوة اقتصادية في العالم والثانية في نصف الكرة الغربي، صراعاً محتدماً بين مشروعين المشروع الرأسمالي الليبرالي المتوحش والمشروع التقدمي الديمقراطي المنحاز للفقراء والعمال والفئات الدنيا من الطبقات الوسطى بسماته الاشتراكية، وتتجلى شدة هذا الصراع في حلبة الانتخابات الرئاسية التي ستعقد في السابع من أكتوبر، تشرين الأول القادم.

د. عصام الخواجا
نائب الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني

أما مقدمات احتدام المشهد الحالي للصراع الاجتماعي في البرازيل، فتمتد لعقود من الزمن. فبرغم التطور الصناعي الكبير والمتعدد الذي ميز نمو الاقتصاد البرازيلي، وتقدمه خلال النصف الثاني من القرن العشرين والعقدين الأول والثاني من القرن الواحد والعشرين ليحتل المركز الأول في أمريكا الجنوبية، إلا أن اتساع هوة الفوارق بين الطبقات الاجتماعية كان الأبرز في العالم، للحد الذي أصبحت فيه الأمية والجوع والفقر المدقع هي التحديات الأكبر التي يعاني منها شعب البرازيل،وتصيب عشرات الملايين من أبنائه. هذه الصورة القاتمة والموجعة كانت المحرك الاجتماعي – الاقتصادي الأساس الذي مهد لوصول “لولا” للسلطة، بعد محاولات فاشلة سابقاً. وللدلالة بتكثيف من التفاصيل والأرقام عما مثله لولا والمشروع الذي يحمله للشعب البرازيلي، والسبب في محاربته بعناد من قوى الرأسمالية البرازيلية والعالمية وفي مقدمتها الأمريكية، نورد ما يلي: استطاع لولا خلال سنوات حكمه من انتشال 28 مليون برازيلي من الفقر، وتقليص سوء التغذية بنسبة 73%، ووفيات الأطفال بنسبة 45%، ورفع الحد الأدنى للأجور خلال 5 سنوات بنسبة 62% دون أن يترافق ذلك بارتفاع معدل التضخم،.
الآن وبعد “الانقلاب القضائي” على ديلما روسيف وتنحيتها عن الرئاسة توجه حزب العمال لخوض الانتخابات الرئاسية بتسمية الرئيس السابق لولا مرشحاً لمنصب الرئيس، لكل ما يمثله وللشعبية الكبيرة التي يتمتع بها. ولأن فرص مرشحي اليمين واليمين المتطرف محدودة في مواجهة لولا، فقد بدأ العمل مبكراً من قبل هذا اليمين لإخراج لولا من سباق الرئاسة، ووجهت له تهمة فساد، نفتها هيئة الدفاع عن لولا،ولم تقدم وثائق تثبت صحة تلك التهمة. في نفس الوقت استخدم خصوم لولا قانون كان قد شرعه هو أثتاء حكمه، يعرف بقانون “الملف النظيف”، وهو حرمان أي مواطن برازيلي من الترشح للإنتخابات الرئاسية إذا حكم عليه من قبل هيئة محكمة مشكلة من عضوين فأكثر. في ضوء سريان هذا القانون قامت “المحكمة الفيدرالية العليا” وهي أعلى جهة قضائية في البرازيل، ومكونة من 11 قاضياً بالتصويت على التهم الموجهة للولا وتثبيتها، وبالرغم من تقدم هيئة الدفاع عدة مرات بدفوعها لنقض قرار المحكمة، إلا أن كل المحاولات كانت ترفض، وآخرها كان يوم 7 أيلول الماضي، وأصبح من شبه المؤكد عدم قدرة حزب العمال وحلفائه الاستمرار بترشيح لولا لمنصب الرئيس.
تؤكد المصادر المقربة من قيادة حزب العمال أن المرشح للرئاسة سيكون المرشح السابق لمنصب نائب الرئيس “فيرناندو حداد” الذي تمت تسميته محامياً شخصياً للولا بحكم مهنته، ما يمكنه من زيارته باستمرار، وتصدر تغطية وسائل الإعلام ليقترن اسم فيرناندو باسم لولا، ما يُرجح أن شعار ولوغو الحملة الانتخابية الرئاسية لحزب العمال وحلفائه سيكون: “فيرناندو هو لولا”. هذا بحد ذاته سيشكل تحدياً لحزب العمال ومرشحيه البدلاء، لأنه ليس من السهل بمكان تجيير كل الأصوات التي تدعم شخص لولا، بسبب إرثه ودوره في انقاذ الفقراء والنهوض باقتصاد البرازيل في مرحلة صعبة مر بها الاقتصاد العالمي في العقد الأول من القرن الماضي.
الولايات المتحدة، وخاصة في ظل ولاية ترامب، ليست ببعيدة عن كل ما يحاك من عمل ومعاندة منهجية لمنع خوض لولا للانتخابات الرئاسية في البرازيل وقطع الطريق على عودة حزب العمال للسلطة، لا بل أن جهودها تمتد وتستمر في زعزعة استقرار فنزويلا البوليفارية وصولاً إلى تعطيل وإفشال الدولة الفنزويلية، وتقويض المشروع الثوري البوليفاري عبر استنزافه المستمر اقتصادياً ومالياً وما يترتب على ذلك من نتائج اجتماعية وسياسية، ونفس الموضوع ينطبق على بوليفيا ونيكاراجوا، ناهيك عن إلغاء ترامب لكل ما تم بين الإدارة الأمريكية في عهد أوباما والحكومة الكوبية من فتح للقنوات وتخفيض للتوتر، لتعود الأمور إلى سابق ما كانت عليه من تصعيد للضغوطات بكل أشكالها الاقتصادية والمالية والسياسية ضد الثورة والحكومة والشعب الكوبي.
في المحصلة فالخيارات التي تريد واشنطن فرضها على دول الجنوب من أمريكا الوسطى والكاريبي وأمريكا الجنوبية، جربتها شعوب القارة على امتداد عقود مضت ، وهي لا تقدم حلولاً للمشكلات والتحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، بل هي وصفات فعالة فقط للخراب والدمار وتأجيج هذه المشكلات وتعميقها. وهذا هو السبب الأساس في أن شعوب القارة ستقاوم هذه السياسات، وسيكون على عاتق قواها تجديد أدواتها وبرامجها لكشف زيف وتضليل اليانكي وأدواته المحليين.

كتبه : د. عصام الخواجا

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى