لآخر المستجدات تابعنا على قناة تلغرام

تابعنا
ثقافة وأدب

عن غسان وفارس/قراءة في أدب غسان كنفاني الساخر

«إن كتابة أدب المقاومة لا تعني أن يمتلئ الأدب بالسلاح والشعارات والخطب.» غسان كنفاني
هي كتابات ساخرة ناقدة كتبها الأديب الكبير غسان كنفاني تحت اسم مستعار هو فارس فارس ونشرها في ملحق الأنوار ومجلة الصياد وجريدة المحرر جمعها و قدم لها الاديب محمد دكروب والتي تناول فيها غسان كل شيء بداية من الأفكار الراقية انتهاء بعلامات التعجب, تناول فيها الكتب والكتاب انتقدهم بطريقة لاذعة وساخرة وعميقة. فكيف له أن يكون بكل خفة الدم هذه؟ ومن أين له كل هذه القدرة الرهيبة على السخرية؟
هي سخرية نابعة من وعى وثقافة وفهم عميق ومن شجاعة غسان كنفانى صاحب القضية والمبدأ ولم تكن تهريجا أو مجرد تنكيت ككثير من كتاب الأدب الساخر.
في مقالات فارس فارس كان غسان ينضح حقيقة، يستخدم لغةً مباشرة، ويسخر لدرجة الجلد أحياناً من أشخاصٍ يدّعون صناعة الثقافة والأدب. أتاح له هذا القلم المستعار من الحرية والحصانة ما يكفي لكي ينقضّ بكل سخرية لاذعة على ما يقع بين يديه ومن إطلاق العنان لسخريته، وكتب تحت هذا الاسم مجموعة من المقالات النقدية الأدبية الحارة والصادقة، ربما ستدفعك إلى الضحك من كل قلبك من التشبيهات المتقنة على غرار:
« إني لا أفهم هذا الهذيان، وقد آن الأوان لنتخلى عن خشيتنا من أن نتهم بالجهل، ونبدأ بتأسيس ناد يضم بين صفوفه جميع الذين لديهم الجرأة على الإقرار بأنهم عجزوا عن فهم واستيعاب هذا الشعر» «وسيكون على هذا النادي أن يلقي القبض في كل مكان على الشعراء هؤلاء، ويقدمهم الى المحاكمة بتهمة الغش والتزوير، مثل الذين كانوا يضحكون على أجدادنا بكتابة أحجية غير مفهومة، وكان أجدادنا يصابون بالذهول أمام تعقيد تلك الكتابة، ليس لأنهم فهموا، ولكن لأنهم يزدادون شعوراً بالجهل»
وربما تتوقف عند بعض الصور الفريدة «قد نختلف الى حد تبادل اللكمات في تعريف الحضارة,» ولكنك حتما ستعرف أن الأدب الساخر هو أحد ألوان النشاط والإنتاج الإبداعي المتدفق للشهيد غسان كنفاني وكان بمثابة الواحة التي يفيء إليها مرة في الأسبوع ليكتب فيها بكل الحرية تحت اسم فارس فارس طرازا فريدا في الأدب ونقد الأدب وستستمتع بغسان وهو يلعن «سنسفيل» – كما كان يردد في العديد من مقالاته – معاصريه من الشعراء والكتاب والمفكرين ومن مدعي الأدب أيضاً.
وفيما يلي مقتطفات من بعض النماذج التي ستعبرها عند قراءتك لهذه المقالات :
«جرت العادة في هذه الأيام، وعند الدكاكين المتطورة، أن يقدّموا لك مجاناً صابونة إذا اشتريت علبة برش. وجوز كلسات إذا اشتريت بنطلوناً… وهذا الأسلوب هو تطوير حضاري لما كانت أمهاتنا يسمينه «عالبيعة الله يخليك!»… هذه المقدمة ضرورية كي أفسّر لماذا شعرت بأن الكتاب الذي اشتريته مؤخراً كان ناقصاً هدية «عالبيعة». فقد كان من المفروض أن تعطى معه مجّاناً سلّة مهملات، كإشارة إلى مصيره، أو على الأقل كان من المفروض أن تربط إليه عصا خيزران، وذلك كي ينهال القارئ على نفسه ضرباً بعد الانتهاء من قراءته، من باب الندم والنقد الذاتي»
«إذا كان الفن هو التحرر من الوعي والعقل فينبغي أن يكون تجار المخدرات هم من الناشرين… وإذا كان الفنَّان هو الأكثر هروباً من مسؤولية الوعي، فإنَّ بطحة عرق أبو سعدى هي أكبر وحي… وإذا كان العمل الفنِّي هو الهذيان الأكثر تحلّلاً، فإنَّ المحششين والشمَّامين والسكرانين الَّذين تراهم في آخر اللَّيل منشورين على أرصفة منطقة الزيتونة، هم أدباء العصر»
وعند الانتهاء من القراءة ستتفق مع فارس فارس بأن فن السخرية هو أصعب فنون الكتابة على الإطلاق اذ ان المطلوب من الكاتب أن يقنع القارئ بأن دمه خفيف والقارئ عادة ما يستقبل مثل هذا الزعم بالحذر الشديد.

بواسطة
مازن عليان
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى