لآخر المستجدات تابعنا على قناة تلغرام

تابعنا
أخبار دولية

مستقبل كتالونيا بعد إستفتاء الإستقلال

كتبه: د.عصام الخواجا

خلفية تاريخية

مشروع استقلال كتالونية هيأت لهسلسلة من المقدمات التاريخيةليس هنا مجال الغوص فيها ، لكن الحقائق تؤكد أن هناك محطات سابقة تجسدخلالهاهذا المشروع ،وأول محطة توثق قيام الدولة الكتالونية بصيغة “الجمهورية الكتالونية” كانت قبل أربعة قرونخلت في العام 1640عندما أعلنت “الجمهورية الكتالونية”واستمرت حتى العام 1659، وتُعرَفْ في المراجع التاريخية ب”الجمهورية الكتالونية الأولى” ، أما المحاولة الأخرى فكانت بإعلان “الجمهورية الكتالونية الثانية”في العام 1931برئاسة Frances Maciasثم تلاه في رئاستها Lluiscompanys، وانتهتهذه الجمهورية بانتصار الجنرال فرانكو في “الحرب الأهلية الإسبانية”وهزيمة القوات الجمهورية في نيسان من عام 1939 .

الجمهورية الكتالونية الثالثة – استفتاء الأول من تشرين أول 2017

يتشكل التيار الاستقلالي الكتالوني من مكونات اجتماعية وحزبية وفكرية مختلفة ، من اليسار الشعبي والعمالي إلى اليمين البرجوازي ، وما يعنيه ذلك من اختلافات في الرؤية البرنامجية السياسية والاقتصادية والاجتماعية ؛ف”الحزب الديمقراطي الأوروبي الكتالوني”PDeCAT–الذي يمثل اليمين والبرجوازية الكتالونية التقليدية ، و”اليسار الإشتراكي الكتلاني”ERC الذي يمثل يسار الوسط القومي ، وهو امتداد لنفس الحزب وتحت نفس المسمى الذي أعلن الجمهورية الثانية في العام 1931 ، و”قائمة الوحدة الشعبية”CUPويمثل اليسار الراديكاليوتَشَكلَ حديثاً عبر اتحاد مجموعة من الأحزاب والقوى اليسارية.هذه المكونات الثلاث هي القوة المحركة والدافعة لإجراء الإستفتاء ، ومِنْ حولها مجموعة من الأطر والتشكيلات الاجتماعية المدنية غير الحزبية ،وتمثل في الواقع الراهن أغلبية واضحة في المجتمع وداخل البرلمان المحلي (وهذه تصل إلىما مجموعه 72 نائب من أصل 135) مقارنة بالأحزاب التي تقع تحت مسمى “الأحزاب الدستورية” وترفض فكرة استقلال كتالونية أو أي إجراء يمكن أن يفضي إليه ، كالإستفتاء ، وهذه الأحزاب الدستورية تشمل “الحزب الشعبي” اليميني الحاكم في اسبانيا ، و”الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني” وهو من تيار الاشتراكية الدولية ، وحزب “مواطنون”وهو حزب يميني قريب من الحزب الشعبي (وهذه تصل إلى ما مجموعه 52 نائب من أصل 135) ، اضافة إلى 11 نائب عن تجمع لقوى يسارية مختلفة يعرف ب CSQPليست مع إعلان الاستقلال من طرف واحد ، لكنها مع حق الشعب الكتالوني الديمقراطي بإجراء الإستفتاء.

بإنجاز “الاستفتاء” يوم الأول من أكتوبر الماضي نكون أمام لحظة نضوج فاصلة في تبلوروتعزيز حضور “تيارالاستقلال” ، سيما وأن الإنتقال إلى مرحلة ما بعد ديكتاتورية فرانكو ، حكمها إقرار دستور 1978 ، الذي لم يعالج “قضية شعوب اسبانيا” ، بما يضمن حقها في تقرير المصير ، فخلال العقود الثلاث التي عقبت ديكتاتورية فرانكو كانت حصة الأحزاب “الدستورية”التصويتية في كتالونيا (التي ترفض فكرة الاستقلال لكتالونيا والباسك) تشكل أغلبية ، لكنها وخلال العقد الأخير تراجع وزنها الانتخابي لصالح ارتفاع حصة الأحزاب “الاستقلالية”. ولا يمكن تفسير ذلك فقط من خلال نمو الشعور القومي بمعزل عن عوامل أخرى ، أهمها ، الأزمة الاقتصادية المتفاقمة كجزء من أزمة النظام الرأسمالي (أوروبا والولايات المتحدة بشكل رئيسي) والتي كان برنامج اليمين الإسباني الحاكم للتغلب عليها من خلال تطبيق سياسات الليبرالية الجديدة والإمعان في سياسة الخصخصة ، التي بدأها قبله الحزب العمالي الاشتراكي الاسباني ، هذه السياسات ونتائجها ، بدأت كلها تهدد منجزات دولة الرفاه الاجتماعي (بنموذجها الأوروبي) ، وبدأت تطال نظام الرعاية الصحية وتقليص مخصصاتها ، والتي تعتبر من أفضل نظم الرعاية الصحية في أوروبا ،والاستمرار في تقليص مخصصات قطاع التعليم الحكومي ومؤسساته ، وإقرار تشريعات تهدد الحقوق العمالية المكتسبة على مدى عقود من النضالات النقابية،إضافة إلى تورط النخبة – الطبقة السياسية الحاكمة في ملفات فساد مالي واقتصادي فاقعة، وبسبب هيمنتها على السلطة التنفيذية والقضائية ،أمنت لنفسها الحصانة والحماية من المحاسبة والعقاب .هذه المظاهر المكثفة لتفاقم الأزمة الاقتصاديةوسياسات الطبقة الحاكمةوفسادها ، كرس صورة “حكومة مدريد”كونها هيمن قوضت نموذج التوزيع العادل للثروة والعدالة الاجتماعية وحماية الطبقات والفئات الاجتماعية الأضعف ،ما عزز الشعور بالضيم الواقع على جزء كبير من المجتمع الكتلوني من قبل “حكام مدريد” ، ويمكن وصفه بالشعور بالاضطهاد المركب طبقياً وقومياً.

كل هذه العامل ساهمت متضافرة خلال العقد الأخير في تعزيز الفرز والاستقطاب الذي أصبح واضحاً في المجتمع الكتالوني ، ويتم التعبير عنه في كل مكان ومناسبة .

درجة عالية من التنظيم ، والإرادة الشعبية ، والانضباط في صفوف التيار الاستقلالي

تميز التحضير خلال الأيام التي سبقت عقد الاستفتاء بتجاذب وتوتر شديد بين الحكومة المركزية في مدريد والحكومة المحلية في كتالونيا ، فبصدورأمر قضائي لجهاز الشرطة الوطني تمت مداهمة مقار حكم محلي ومصادرة كمية كبيرة من المواد الدعائية وأوراق الاقتراع والمغلفات المخصصة لإجراء الإستفتاء ، وتم اعتقال 14 من كبار موظفي الحكومة الكتالونية المشرفين على تنظيمه وإجراءه ، كما صدرت الأوامربتدخل الشرطة والحرس الوطني لمنع الاقتراع بالقوة ، ما أدى إلى وقوع اصابات في صفوف الناخبين نتيجة عنف الشرطة تجاوزت 800 جريحاً ، وإغلاق ما يقارب 400 مركز اقتراع من أصل 2315، لكن وللحيلولة دون إغلاق مراكز الاقتراع من قبل الشرطة والحرس الوطني ، فقد بادرت قائمة الوحدة الشعبيةCUP بالدعوة “لاحتلال” المدارس والمبيت المبكر فيها من قبل الأهالي والمتطوعين والنقابات الطلابية قبل يوم أو يومين من موعد الاستفتاء ، وصبيحة يوم الاستفتاء تم توجيه المواطنين الذين أغلقت مراكز الاقتراع في وجوههم بالتوجه لأقرب مركز أقتراع للإدلاء باصواتهم ،وبرغم كل مضايقات الشرطة والحرس الوطني فقد نجح الاستفتاء بتجاوز عدد المشاركين في التصويت 2.25 مليون مواطن ، رُغمَ منع قرابة 700 ألف مواطن من ممارسة حقهم التصويتي.

2n

الجماهير تحمي مقار وصناديق ولجان الإقتراع

حالت كثافة الحضور الجماهيري في المراكز المتبقية (1900 مركز) دون قدرة الشرطة والحرس الوطني على دخولها وتعطيل عملية التصويت ، كما أن التكتيك الذي استخدم من خلال المنظمين الميدانيين والنشطاء (وخاصة نشطاء CUP) هو الطلب ممن يقترع بعدم مغادرة مركز الاقتراع لضمان حالة مستمرة من الحضوروالزخم الجماهيري ، وهيالوسيلة المتوفرة لحماية وضمان استمرار التصويت حتى نهاية يوم الاستفتاء ، وحماية الصناديق وما فيها من أوراق اقتراع، واستكمال اجراء الفرز واصدار النتائج .

من تواجد أمام مراكز الاقتراع شاهد تجمعالجماهير بالمئات والآلاف بكل هدوءوتنظيم وانضباط وإرادة لحماية وممارسةالحق الديمقراطي ، فكل مظاهر العنف خلال الاستفتاء كانت من طرف جهاز الشرطة والحرس الوطني المركزي .

إعلان الجمهورية الكتالونية

في العاشر من تشرين أول 2017 انعقدت جلسة البرلمان الكتالوني المنتظرة ،وقف “بودجيمونت” رئيس الحكومة المحلية أمام البرلمان الكتالوني وأكد الامتثال لقرار الاستفتاء الشعبي بأعلان استقلال كتالونية، لكنه وبعدها مباشرة أعلن توقيف العمل بإجراءات هذا الإعلان ، لفتح المجال للحوار للوصول إلى تنفيذ قرار الاستقلال من خلال صيغة تفاهم وإتفاق مع الحكومة المركزية ودعوة الطرف الأوروبي للتدخلكوسيط ، وبعد انتهاء الجلسة تم التوقيع من الغالبية البرلمانية “الاستقلالية” على وثيقة إعلان “الجمهورية الكتالونية”.

حالة استعصاء

الوضع القائم بعد هذا الإعلان يتسم بالتعقيد السياسي والدستوري، والأمور وصلت إلى حالة التقابل-المواجهة في المواقف ، ولا يظهر من كلا الطرفين اي مجال للتنازل ، بما يمثل حالة استعصاء ، كما أن هناك تهديدا صريحاً من الحكومة المركزيةفي مدريد بتدخل الحرس الوطنيوتنحية الحكومة المحلية في كتالونيا ونقلكافة صلاحيات المؤسسات الحكومية المحلية إلى الحكومة المركزية استنادا للمادة 155 من الدستور الإسباني.

موقف اليسار الإسباني

موقف اليسار الإسبانيبمكوناته المختلفة (بوديموس ، اليسار الموحد والمكونات الشيوعية الأخرى) باستثناء تيار الاشتراكية الدولية ممثلاً بالحزب العمالي الإشتراكي الإسباني ، يتفق مع حق الشعب الكتالوني في إجراء الإستفتاء حول الإستقلال برعاية وتوافق مع الدولة المركزية ، كحق ديمقراطي ودستوري لكل شعوب إسبانيا ، ولكن ليس بشكل أحادي الجانب ، إنطلاقاً من أن الوحدة يجب أن تستند للقرار والإرادة الواعية ، والقناعة الراسخة ، وليس عبر الإجبار والقهر، وهي نقطة الخلاف المركزية مع اليمين الحاكم الذي يرفض إجراء الإستفتاء من حيث المبدأ.

ماذا بعد الوصول إلى طريق مسدود؟

  • يوم الإثنين الموافق 16 تشرين أول 2017 ، هو اليوم الأخير من مهلة أعلنها رئيس الحكومة اليمينية “راهوي” ليتراجع “بوتجيمونت” رئيس حكومة كتالونية المحلية عن إعلان الإستقلال ، وإلا فإنه َسيُفَعِلْ نص المادة 155 من الدستور.
  • “بوتجيمونت” بعد تعليق العمل بإجراءات الاستقلال طرح خيار الحوار والمفاوضات مع الحكومة المركزية وطلب الوساطة الأوروبية ، دون شروط مسبقة ، للتوافق على استكمال اجراءات الاستقلال.
  • “راهوي” يعلن أن لا حوار بدون التراجع عن إعلان الاستقلال والإمتثال للقرارات القضائية الصادرة عن المحكمة الدستورية.
  • “الملك فيليب السادس” يتبنى نفس موقف حكومة “راهوي”
  • ألCUP أعلن رفضه لتعليق العمل بإعلان الإستقلال من قبل “بوتجيمونت” ، ويقول “فنعلن الجمهورية” ، وليطبق “راهوي” المادة 155 في ظل إعلان الجمهورية وليس وإعلانها مُعلق.

تقديرات المستقبل:

  • حالة الاستعصاء وصلت إلى طريق مسدود ، وليس في الأفق حلول وسط.
  • في حال تطبيق المادة 155 من الدستور ، فسنكون أمام احتمالات تصاعد التوتر بين دعاة الاستقلال واليمين المتطرف ، واحتمال حدوث أشكال منظمة من العصيان المدني من قبل التيار الاستقلالي دون اللجوء لأي شكل عنيف ، وقد يكون من ضمنها عدم التعامل مع السلطات المركزية البديلة للسلطات المحلية التي يتم تنحيتها ، والقيام بالاحتجاجات – المسيرات والتجمعات ، رغم حرصه على عدم إثارة حالة فوضى لما لذلك من انعكاس سلبي على الحالة الاقتصادية في كتالونيا. خاصة أن بعض المؤسسات المالية والبنوك والطاقة والمياه والصناعات الثقيلة وغيرها نقلت مقارها من برشلونة إلى مدريد أو إلى مدن أخرى كشكل من أشكال الضغط على الحكومة المحلية ودعاة الاستقلال ، بحجة خشيتها من حدوث حالة عدم استقرار في المستقبل القريب.
  • الدعوة لانتخابات مبكرة.

ستفتح نتائج الإستفتاء على استقلال كتالونيا ملف إعادة صياغة الدستور الإسباني أو إدخال تعديلات دستورية ، تؤدي لمزيد من صلاحيات الحكم الذاتي في الأقاليم وخاصة التي تتسم بخصوصيتها القومية (فبالأمس ،احتفالية “اليوم الوطني” الذي يصادف 12 تشرين الأول) تغيب حكام كتالونيا والباسك وغاليسيا (ثلاث أقاليم لكل قوميتها) ، وهي مؤشر على تفاقم أزمة الدولة الإسبانية مع الشعوب الأخرى داخل الدولة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى