لآخر المستجدات تابعنا على قناة تلغرام

تابعنا
مقالات

أبو علي ومشروع “الهدف” في فلسطين / جبريل محمد

ما أن اندلعت الانتفاضة الثانية بعد عام تقريبًا من عودة الشهيد أبو علي مصطفى ، حتى رأى أبو علي يومها أنه لا بد من صوت إعلامي يعبر عن مفاعيلها وأهدافها في الوطن، لم تكن الإمكانات يومها تسمح أن يبنى جهاز إعلامي كامل في ظل أولويات أخرى خلقتها الانتفاضة وعملية إعادة البناء، فكان أن شرعنا بإصدار نشرة شهرية بعنوان “الانتفاضة مستمرة”، هذه النشرة اعتمدت على أقلام متطوعين أو اقتباس بعض المقالات والتحليلات من مواقع عربية وفلسطينية أخرى، كانت تتفق مع رؤية الجبهة في ذلك الوقت، عدا عن بعض التقارير الإخبارية، وبطاقم لا يتعدى ثلاثة أفراد، لكن تعمق مفاعيل الانتفاضة وانتشارها في كل الأرض الفلسطينية، دفع إلى ضرورة بناء كيان إعلامي، وظيفته اصدار المواقف اليومية، أو التعليق على ما يجري يوميًا في المحطات الفضائية، إضافة إلى ضرورة الانتقال من النشرة إلى وضع رسمي، ولم يكن هناك أفضل من الشروع بإصدار الهدف من فلسطين. تلك كانت فكرته، التي رأى إنها مبادرة لإعادة الصوت من فلسطين، وفكرته هذه تحولت إلى قرار، لنشرع بالعمل على قدم وساق، لإصدارها وبالهيئة التي تعودت عين القاريء عليها عبر عقود من الزمن لحظة أن أسسها الشهيد غسان كنفاني.

كان التحدي كبيرًا، بأربعة زملاء في الضفة وواحد في قطاع غزة هو المرحوم علي القطاوي “أبو صالح”، مع طاقم دمشق، شرعنا ونحن نعلم أن الأرض الفلسطينية المحتلة هي من سيتحمل العبء الأكبر في هذه المهمة، فقد كانت كما قال امتحان وتحدٍ في نفس الوقت، كان ذلك في بداية حزيران عام 2001، وكان الشهيد يتابع تطور العمل في الهدف بعد أن أصبح لها مقرها الخاص خارج مكتبه البسيط الذي كنا منه نصدر النشرة السابقة، شعر كل واحد فينا أن هناك حارس لا تغمض عيناه، يتابع التحضير والإعداد إداريًا ومهنيًا، ومن كان يرى أن من يتابعه هو شخص بحجم أبي علي، كان يعتصر كل ما لديه من طاقة كي يكون الإنجاز بحجم الحدث. كان رئيس التحرير يحفزنا بالقول “أنتم تكملون جزءًا من رسالة غسان المتشعبة المتعددة”؛ تصوروا لو كان غسان هنا ويتابع إصدار مجلته الأثيرة، علينا أن نملأ جزءًا من فراغ خلفه غسان.

أربعة كانوا يعدون خطة العدد ويحددون محاور المعالجات، ويدعون كتابًا للمشاركة، ويبنون قائمة من المراسلين والموزعين في مختلف المحافظات، ويكتبون ويعدون التصريحات الصحفية اليومية ويدققون لغويًا، يحررون ويتابعون عملية الإخراج والمونتاج والطباعة، حتى صدر العدد الأول في الثامن من تموز عام 2001، في ذكرى استشهاد مؤسسها، وقد كان ذلك قصدًا لا مصادفة.

صدر العدد الأول، وبينما نحن منهمكون في تقييم البادرة الأولى، من حيث المواضيع، ومن حيث الإخراج ونوعية الورق، أخرج رئيس التحرير ورقة صفراء تتضمن رسالة بالحبر الأسود وبخط جميل، فردها على الطاولة وعن بعد شاهدنا التوقيع، إنه أبو علي مصطفى.

كانت الرسالة بمثابة وسام فخر لكل من عمل على إصدار العدد الأول، فقد كانت تثمينًا للتجربة، وتحية لكل من ساهم بالإصدار، احتفظنا بالرسالة بين ملفات الوارد، لكن الاجتياح الإسرائيلي داهم مقر الهدف، كانت صورته بحجم حائط المدخل، فقد أصبح شهيدًا قبل الاجتياح ومع صدور العدد الثالث، وعندما رفع حظر التجول وصلنا إلى مقر المجلة، كان الرصاص يملأ الصورة، وذهبنا للبحث عما تبقى لم نجد سوى حواسيب سرقت أقراصها الصلبة، أما الملفات فقد حملوها معهم.

ونحن نعد للعدد الثالث قبل استشهاده، كان الاحتلال قد ارتكب جريمة اغتيال قائدين في نابلس هما الشهيدان جمال منصور وجمال سليم من حركة حماس ، وكنا قد صممنا الغلاف بصورهم، لكنها الشهادة الثانية تداهمنا… صاروخ وكان أبو علي شهيدًا، هل هناك فرق بين الشهداء، قلنا جميعًا لا… لكن رجلًا بحجم أبا علي ودوره من جهة، وهوية المجلة السياسية كانت تقتضي تحويلًا فيه، وخلال أيام ثلاثة كان العدد قد أعيد تشكيله، دون أن ينتقص من حق الشهداء.. مضى صاحب الرسالة الموقعة بالحبر الأسود على الورق الأصفر… وكان علينا أن نستمر.

مع تلك الرسالة سلمنا أبو علي شيكًا ماليًا من متبرع وقال” هذا للهدف، لم يكن المبلغ كبيرًا، لكن قيمته كانت عالية، فأبو علي كان يتعامل مع الهدف كمؤسسة، ولم يحمل الشيك إلى المالية العامة للجبهة، بل إلى الهدف مباشرة… حتى صورة الشيك نهبت ضمن نهب الملفات أثر الاجتياح.

لم يعد في ظل الاجتياح من المأمون الاستمرار في إصدار المجلة من نفس المقر، كما أن حملات الاعتقال التي مست رئيس التحرير وغيره من القيادات أوقعتنا في حالة ارتباك، استأجرنا غرفة صغيرة، لأجل الاقتصار على التصريحات اليومية، لكن الإرادة بالاستمرار دفعتنا إلى التفكير بطريقة أخرى، وهي العودة إلى النشرة… فكانت نشرة “نداء الوطن”. هذه النشرة حاولت التعويض عن المجلة… لكنها لم تكن بمستوى الهدف، كانت نشرة تحشيد أكثر منها نشرة دعاية وتنوير، ثم تمت العودة للإصدار مرة أخرى… لتكون الهدف حالة مطاردة.. حيث لم تستقر يومًا.

واليوم تعود الهدف الكترونية لكنها أقوى من السابق، ومعها بوابة الهدف، إلا أن ضعف الإمكانات تحول دون أن تنتقل الهدف وبوابتها من صحافة مكتوبة إلى صحافة مرئية… ربما نحتاج إلى قائد مبادر آخر لينقلنا الى هناك

المصدر
بوابة الهدف
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى