لآخر المستجدات تابعنا على قناة تلغرام

تابعنا
أخبار عربية

الجزائر : “حين تستحضر الثورة تاريخها وأبطالها “

“أمّا نحن الذين بقينا في مؤخرة الركب فإنّنا نتعرّض إلى مصير من تجاوزته الأحداث، وهكذا فإن حركتنا الوطنية قد وجدت نفسها محطّمة، نتيجة لسنوات طويلة من الجمود والروتين، توجيهها سيء، محرومة من سند الرأي العام الضروري، قد تجاوزتها الأحداث، الأمر الذي جعل الاستعمار يطير فرحًا ظنًا منه أنه قد أحرز أضخم انتصاراته في كفاحه ضد الطليعة الجزائرية”.

بهذا التشخيص للواقع الذي حمله البيان الأول لجبهة التحرير الوطني الصادر في الأول من نوفمبر ١٩٥٤، أطلق الشعب الجزائري ثورته الكبرى لأجل التحرير والاستقلال، حوالي ٤٠٠ بندقية وبضعة أخرى من قنابل يدوية هي العتاد الشحيح الذي توفّر لهذه الثورة ومقاتليها، فلم يكن الظرف مثاليًا أبدًا على مستوى التوازن المباشر للقوى بين الثوار الجزائريين وجيوش فرنسا الاستعمارية.

ما كان مواتيًا فعلًا هو شعور الشعب الجزائري الذي كان يغلي غضبًا من استمرار الاستعمار وسياساته في الجزائر، ومد عربي هادر من صيحات الشعوب المتوثبة للاستقلال وطي حقبة الاستعمار ووجوده على الأرض العربيّة.

منذ الأول من نوفمبر ١٩٥٤ وحتى ٥ يوليو ١٩٦٢، امتد القتال المستمر لقوات جبهة التحرير الوطني المُسماة “جيش التحرير الوطني”، مع قوات فرنسا الاستعمارية، استخدمت فيها المنظومة الاستعمارية الفرنسية كل أشكال العسف والعنف والقتل والترهيب، وشنّت الكثير من الحملات العسكرية ضد الشعب الجزائري، طالت المدنيين والنساء والأطفال والشيوخ، وأراقت دماء حوالي مليون ونصف المليون شهيد، لكن إرادة التحرير لم تثلم أو تنكسر، بل مضت أكثر حدة ووضوح، وإذا كانت السياسات الاستعمارية قد فرّقت الجزائريين لفتراتٍ طويلة، فقد تكفلت حرب التحرير ووضوح الأهداف فيها بوحدتهم أمام افتضاح حقيقة فرنسا الاستعمارية الوحشية.

لعل أكثر الجذور عمقًا للثورة الجزائرية تمثّل في القمع الوحشي والإرهاب الدموي الذي مارسته فرنسا ضد الجماهير الجزائرية المُطالِبة بحريتها في مسيرات ٨ مايو ١٩٤٥، إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية ومساهمة الجزائريين الكبيرة في تحرير فرنسا من الاحتلال النازي، لكن الوقاحة الاستعمارية ردّت على هذه المسيرات بارتكاب مجازر راح ضحيتها أكثر من ٥٠ ألف جزائري، هذه المجازر التي أوقدت الجمرة في قلوب الجزائريين لتشعل ثورتهم الكبرى في نوفمبر ١٩٥٤، وتستكمل مسيرة أكثر من ١٣٢ عامًا من الكفاح المضني ضد الاستعمار.

تزامنت ذكرى الاستقلال الجزائري هذا العام، مع عودة أجزاء من جثامين الثوّار الجزائريين التي احتفظت بها فرنسا الاستعمارية طيلة هذه السنوات؛ جماجم الجزائريين والعرب وغيرهم من الشعوب التي تعرّضت للاستعمار والقمع الوحشي الفرنسي، عرضها الفرنسيين في المتاحف، طيلة هذه السنوات، دون أدنى خجل من هذا التاريخ الوحشي، أو الممارسة التي لا تقل عن الوحشية المتمثلة في احتجاز رفات بشرية وعرضها.

تحتفظ فرنسا بأكثر من ١٨ ألف جمجمة تعود لأبناء البلدان التي تعرّضت لاستعمارها، في تكريس لطقس همجي مارسته الدولة والجيوش الفرنسية؛ إذ كانت تقتل الثوار وتقطع رؤوسهم لتحتفظ بها فيما تلقي بجثثهم في البحر، والأقذر في هذه الممارسة كانت محاولات التنظير “العلمي” والبحث عن اختلافات في تركيبة الجماجم والعقول لدى هؤلاء الضحايا، باعتبار ذلك مصدر لفعل التمرّد والثورة ضد المُستعمِر، في محاولة وضيعة لتبرير الفعل الاستعماري تنتمي لنظريات التفوّق العرقي للعنصرية.

عودة الرفات اليوم إلى الجزائر الحرّة العربية الموحّدة والثابتة على مواقفها من القضايا العربية وفي مقدمتها قضية فلسطين، تمثل امتدادًا آخر لانتصار ثورة الجزائر ضد المُستعمِر، ورسالة أمل لكل الشعوب التي تكافح ضد منظومة الهيمنة الاستعمارية.

 إنّ ملامح فخر الجزائريين بثورتهم، وتاريخهم المجيد في مكافحة المُستعمِر، ظهرت جلية في استقبالهم لرفاة قادتهم ومناضليهم، كحالةٍ من الاستذكار لقدرة الشعوب وقيمة كفاحها.

المصدر
بوابة الهدف
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى