لآخر المستجدات تابعنا على قناة تلغرام

تابعنا
أخبار دولية

الكونفيدرالية مراهنة برزاني بعد الاستفتاء؟

مسعود برزاني يطمع بانفصاله عن العراق تنصيبه بطلاً قومياً يمنحه السيطرة على زعامة أكراد المنطقة، وفرض ما يسميه “الأمر الواقع” على العراق ودول الجوار و”المجتمع الدولي”. لكنه ربما يراهن على دعم إسرائيل وواشنطن في التوصّل إلى كونفيدرالية مقابل خوضه حربهما الأمنية بالوكالة ضد إيران.

على سطح ردود الفعل المتصلة باستفتاء مسعود برزاني للانفصال عن العراق، تبدو إسرائيل والإمارات ترحبان وحدهما بالانفصال بينما تعارضه باقي دول العالم بما في ذلك واشنطن والدول الغربية الأخرى. لكن الدول الغربية وفي مقدمها الإدارة الأميركية تفضّل توقيتاً لاحقاً “خشية إعاقة القضاء على “داعش”، بحسب تعبير البيت الأبيض. ولا تعترض على “حق تقرير المصير” وتفتيت المنطقة كما أوضحت صحيفة “لوموند” الفرنسية.

واشنطن والدول الغربية تسعى إلى أقلمة الدول الوطنية القائمة في المنطقة وفدرلتها على أساس عرقي وطائفي ومذهبي، وفق من تسميه “كيانات لمكوّنات”. لكنها لا تحبّذ إنشاء دول “مستقلّة” جديدة يصعب ضبطها جميعها على المدى الأبعد بحسب تجربة تذرر دول الاتحاد السوفييتي السابق وإعادة تجمّع بعضها في رابطة الدول المستقلة حول سلطة مركزية في موسكو. لكن الأقلمة والفدرلة من شأنها أن تؤدي إلى التذرر والتشرذم وإلى أشكال شتى من الحروب الأهلية الباردة والساخنة. وهو ما يتيح للدول الغربية “إدارة النزاعات” على الدوام والتحكّم من دون تدخل عسكري مباشر، بسياسات الدول المركزية أما فيما تبقى لها من سلطات.

برزاني الذي يقول “إن المجتمع الدولي يعترف في نهاية المطاف بالأمر الواقع”، فهو يستند إلى تجربة الأقلمة العراقية في العام 1991، في إنشاء “منطقة آمنة” وإلى تجربة الفدرلة في النظام السياسي بعد الاحتلال، لكن هذا الأمر الواقع فرضه “التحالف الدولي” قبل الاحتلال وبعده ولم يفرضه الاستفتاء أو الحزب الديمقراطي الكردستاني. ولعل هذا الأمر الواقع هو الذي يؤدي إلى مزيد من التفتت وشبح الحروب الداخلية بين “الكيانات” بعضها مع بعض وبين “المكوّنات” أنفسها. فبرزاني انقلب على الأكراد في العام 91 في تعاونه مع صدام حسين ضد جلال طالباني، وقد ينقلب على أكراد المنطقة حين يرفضون جرّهم إلى حروب أهلية طاحنة وخاسرة في تركيا وسوريا والعراق، بين متطلبات زعامته عليهم.

أغلب الظن أن برزاني “المحنّك” في حسابات مصالح وراثة الزعامة وتوريثها، ولا ريب أنه يزن بميزان دقيق حدود الأمر الواقع الذي لا يتجاوز رغبة واشنطن والدول الغربية الأخرى في عدم الذهاب إلى إعلان الانفصال بعد الاستفتاء في إنشاء دولة جديدة “مستقلة” في المنطقة. لكنه ربما يطمع بالانتقال من الفيدرالية إلى الكونفيدرالية مع العراق. وفي هذا السبيل يعِد في “استكمال الحوار بعد الاستفتاء مع بغداد يمكن أن يمتد لسنتين أو ثلاثة” في موضوع الاستقلال أو في “صيغة أخرى للعلاقة بين بغداد والإقليم”. وقد تكون الكونفيدرالية هي الصيغة التي يطمع بها فيما يسميه ” سيادة أمنية واقتصادية وسياسية” للإقليم. وهو في هذا الطموح لا يخرق الخط الأحمر في إعلان “الدولة المستقلّة” لكنه يحظى بسلطة خاصة خارجية وداخلية بمنأى عن بغداد في نظام الفيدرالية.

يتوقع برزاني الدعم الكامل من واشنطن والدول الغربية الأخرى في الوقت المناسب “بعد الانتهاء من داعش” وقد لا يكون تحديد المدة التي حددها برزاني للتفاوض مع بغداد مصادفة. ولا ريب أن برزاني يتوقع وضوح صورة خريطة المنطقة بعد الانتهاء من “داعش”، ولعله يتوقع أيضاُ زيادة التوتر وربما الحرب الأمنية والاستخبارية ضد إيران وحاجة واشنطن وإسرائيل إلى وكلاء في هذه الحرب. وقد يكون برزاني الأكثر استعداداً لدور الوكيل في اعتماده على مجموعات كردية إيرانية ذهبت منها عيّنات إلى كركوك وفق المعلومات الروسية، وفي اعتماده أيضاً على مجموعات من “داعش” التي لجأت إلى أربيل إثر معارك الموصل وتلعفر والحويجة.

وربما لا يستبعد برزاني التقاطع مع أنقرة في مرحلة لاحقة إذا لم تستكمل تركيا التفاهمات الجارية حالياً مع طهران وموسكو لمنع الانفصال الكردي. فتركيا تتخوّف من أن يؤدي الانفصال إلى دفع الأكراد الأتراك وحزب العمال الكردستاني للاستقلال عن تركيا في غمرة الاندفاع القومي الكردي. لكن برزاني يمكنه عقد صفقة مع أنقرة في لحظة مناسبة على حساب حزب العمال المنافس، ولا سيما أن برزاني حسّن مواقعه ونفوذه بين أكراد تركيا وبات يبزّ حزب العمال نفوذاً وهو يعزّز بالاستفتاء نفوذاً على نفوذ.

 كركوك هي مربط الفرس، حيث يأمل برزاني تصدير نفطها ونفط الإقليم منها إلى إسرائيل. وفي كركوك تتشابك موازين القوى الإقليمية والدولية وتتناقض، وقد تكشف في المدى المنظور أن طموح برزاني في مراهناته أشبه بأوهام أحلام وردية.

كتبه: قاسم عز الدين / في الميادين

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى