لآخر المستجدات تابعنا على قناة تلغرام

تابعنا
مقالات

المساعدات الأمريكية والأثمان السياسية

هناك اجماع في الأردن على كافة الصعد بما فيها الصعيد الرسمي على أن الأردن دولة ريعية، ليس بالمفهوم الإنتاجي، أي الاعتماد على مصدر واحد للدخل، وإنما على صعيد تلقي المنح والمساعدات ففي السنة التي تتراجع فيها المساعدات يدخل الأردن في أزمة.
وغالباً ما تكون المساعدات المالية التي يتلقاها الأردن مشروطة، بدفع ثمن سياسي. ولم يسجل قط أن المساعدات الخارجية أعطت أي مردود إيجابي على صعيد التنمية أو خفض الضرائب على المواطنين. وسوف نقصر الحديث هنا حول المساعدات الأمريكية، لأن حتى المساعدات الخليجية تدخل في نفس السياق.

مؤخراً وقعت الولايات المتحدة مذكرات تفاهم لترسيخ المساعدات الأمريكية منذ (2009) وتبين أن الولايات المتحدة التزمت بهذه الإتفاقيات، وقامت بتقديم مساعدات اضافية في بعض السنوات، أما الاتفاقيات الموقعة والملتزم بها فهي ثلاث اتفاقيات:
* الاتفاقية الأولى: غطت الأعوام المالية من (2010) وحتى (2014) ونصت على تقديم (600) مليون دولار سنوياً مقسمة إلى (360) مليون دولار مساعدات اقتصادية و(300) مليون دولار مساعدات عسكرية.
* الاتفاقية الثانية أو المذكرة الثانية: تغطي الفترة من (2015) إلى (2017) وقد زادت قيمة المساعدات لتصبح مليار دولار بزيادة تبلغ (340) مليون دولار.
* المذكرة والثالثة: تغطي فترة (5) سنوات ووقعت في عهد الرئيس دونالد ترامب وتغطي الفترة من (2018 _ 2022) بقيمة إجمالية (6.375) مليار دولار بزيادة سنوية قيمتها (275) مليون دولار بتاريخ (31/3/2018) وتشمل المساعدات العسكرية والإقتصادية وتوزع على النحو التالي:
(1082.4) مليون دولار مساعدات اقتصادية.
(745.1) مليون دولار دعم مباشر للموازنة السنوية.
(425) مليون دولار مساعدات عسكرية.
هنا نلاحظ أن الأرقام تتجاوز حجم ما ورد في المذكرة التي تغطي الفترة من(2018_2022)، في العادة يلصق بكافة برامج المساعدات عبارة “المساهمة في دعم تنفيذ الخطط والبرامج الاصلاحية والتنموية والوطنية” لكن في المذكرة الأخيرة اعترف الجانب الأردني بأن ما طرأ من زيادة على قيمة برنامج المساعدات الأخير، ما هو إلا تعبير عن الشراكة الاستراتيجية! وتقدير للدور المحوري الذي يلعبه الأردن في المنطقة والعالم كصوت للسلام والاعتدال”.
بعض الأوساط الأردنية اشارت بأن برنامج المساعدات الأخير قصير بشروط سياسية قاسية ومهينة، وربما تتعلق بالطلب من الأردن الموافقة على قرار الرئيس ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس واعتبار القدس عاصمة لإسرائيل بالاضافة إلى موافقة الأردن على صفقة القرن.
وفي ضوء ذلك كان لابد من مناقشة كافة جوانب مذكرة المساعدات وبالفعل شهدت أروقة الحكم عدة جلسات للمناقشة، حتى أن البعض أشار إلى أن مجمل المساعدات لا تمثل سوى (5%) من قيمة الموازنة السنوية وبالتالي رفض الشروط المجحفة.
وفي وقت سابق، أمرت الحكومة وأوساط رسمية أخرى بقمع تظاهرات أمام السفارة الأمريكية في عمان، لعل ذلك يخفض من غضب السفارة والإدارة الأمريكية وتسكت عن الشروط الأخرى، لكن ذلك لا ينطلي على الجناح اليميني في الإدارة الأمريكية، وقام دونالد ترامب بالتلويح بوقف المساعدات للأردن إذا لم يتماهى الأردن مع المخطط الأمريكي، ويبدو أنه أوعز للسعودية بأن تضغط من جانبها على الأردن وهكذا فعلت والبقية معروفة!
إذن لم يثبت إن كانت المساعدات الأمريكية للأردن بدون ثمن سياسي أو الثمن هذه المرة ثقيل ومؤذ ومحرج، ولم يثبت أن المساعدات الأمريكية كانت توجه للتنمية الاقتصادية، وهذه الجدلية لا تتعلق بالأردن فحسب، بل بكل الأنظمة التي تتلقى المساعدات، وهذا تناوله معظم الباحثون والاقتصاديون حيث يرى هؤلاء أو القسم الأكبر منهم أن معظم برامج المساعدات ربما تعمل بشكل جيد على المستوى الجزئي والمقصود هنا (أن لا يموت الذئب) فيما على المستوى الكلي لا يوجد أي دليل على وجود علاقة ايجابية بين المساعدات والتنمية ويؤكد
(paul mosley ) بأن للمساعدات تأثير سلبي على التوفير بعكس ما تقتصره البلدان الملتقية، ويضيف “لا يوجد احتمال أن تساعد المساعدات على تعزيز النمو الاقتصادي” والمؤشرات الإقتصادية في الأردن تؤكد ذلك.
إذ تؤكد تقارير (IMF) و (WB) بأن معدلات النمو في الأردن تشير إلى تباطؤ حاد في الاقتصاد وقد بلغت نسبة النمو في الناتج المحلي الإجمالي عام (2017) ما مقداره (1.8%) العام (2017) وبلغت (2.4%) عام (2015) وبلغت عام (2016) (2%) وتوقع التقرير أن يصل معدل النمو (2.4%) عام (2018) و (2.5%) عام (2019) وهذه نسب متواضعة مقلقة إذا ما قيست بمعدل الزيادة الطبيعية للسكان وكذلك بمعدلات التضخم (4.4%) عام (2017) والبطالة (18.5%) مع الإشارة هنا إلى أن كافة توقعات الــــ(IMF) و (WB) ليس لها مصداقية، وفي العادة تكون تقاريرها متفائلة لحث الدول على إبرام الصفقات مع هذه الصناديق، وطلب المزيد من القروض حيث وصلت نسبة الدين الحكومي (95.6%) من إجمالي الناتج المحلي.
من جهة أخرى، يفترض كما يقول الإقتصاديون أن تؤدي المساعدات إلى هبوط في الضرائب وفي التوفير العام والحكومات المتلقية عادة ما تستفيد من المساعدات لتخفيف الاعباء الضريبية، وفي حالة الأردن لم يكن للمساعدات أي مساهمة في ذلك كما أن المساعدات لم تساهم في تخفيض معدلات الفقر، وذلك لأن الدعم في العادة يذهب إلى الأغنياء ورجال السلطة لأن التنمية من الأعلى إلى الأسفل، (Top_ down) لا تفيد الفقراء، وإذن فإن المساعدات الحقت بالأردن الأضرار وسلبت منه سيادته وقراره السياسي.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى