لآخر المستجدات تابعنا على قناة تلغرام

تابعنا
أخبار فلسطين

الوحدة الوطنية المطلوبة في مواجهة صفقة القرن!

“إن الساحة الفلسطينية والعربية فيها خندقان واضحان لمن يريد أن يرى ذلك؛ خندق أمريكا، أي خندق الإمبريالية والصهيونية و”إسرائيل”، ويؤسفني هنا القول أن القيادة الرسمية لـ م.ت.ف قد انضمّت لهذا الخندق بعد اتفاق أوسلو، مع إدراكي ووعيي للتناقضات القائمة بين تلك القيادة الرسمية و”إسرائيل”، ولكنها تناقضات أخذت شكل التعارضات الثانوية، التي يمكن حلها والتعامل معها تحت السقف والرعاية الأمريكية…


يقابل ذلك الخندق الذي يعبر عن مصالح أهداف الجماهير الفلسطينية والعربية، خندق الصمود والمقاومة، خندق قوى الثورة التي تواصل طريق الحرية والإستقلال لتحقيق أهدافنا العادلة. الخندق الذي يسعى لتحقيق مصلحة كل طبقات الشعب الفلسطيني، الخندق الذي يعرف حقيقة “إسرائيل” والصهيونية وحقه في النضال المستمر حتى دحر الصهيونية بالكامل…
صحيح أن هذا الخندق يمرّ في هذه المرحلة من الضعف والإرتباك، ولكن هذا الحال مؤقت كون شعبنا الفلسطيني وجماهير أمتنا العربية تموج بالتناقضات ولن يستطيع أحد خداع أو السيطرة على كل هذه الملايين للأبد” – كلمة الحكيم جورج حبش أمام المؤتمر الوطني السادس للجبهة الشعبية، تموز 2000.
بكلمتين نقول؛ ثمة طريقان نقيضان في فلسطين؛ طريق المقاومة وطريق المساومة.
يقود فريق أوسلو الطريق الثاني، ويُسمّيه “إشتباك سياسي”؛ طريقة “الإشتباك” نفسها التي أضاعت أكثر من 78% من أرض فلسطين. ويلخص نتيجة هذا الإشتباك لوحة إعلانية كتبها أحد الأحزاب الصهيونية في دعايته الإنتخابية، مع صورة أبو مازن معصوب العينين، تقول: “السلام لا يُصنع إلا مع أعداء مهزومين!”
يقول الواقع اليوم إن الحديث الدائر عن الوحدة الوطنية الفلسطينية هو حديث يدور في حلقة مفرغة، وخاصة عندما نتحدث عن الإنقسام الفلسطيني بين حركتيّ فتح وحماس. لكن هل هذه الوحدة الوطنية التي نريد؟ هل اتفاقهما يعني الإتفاق على برنامج وطني تحرري؟ هل من الممكن أن ينسجم الخطاب الوطني التحرري مع الخطاب التسووي؟ وهنا لا أقصد الوحدة الوطنية بين طرفّي الإنقسام فقط، بل الوحدة الوطنية بين المكوّن الفلسطيني كاملآ.
مرّ الفلسطينيون بمحطات كثيرة في ثورتهم المعاصرة، وواجهوا مخططات عدة حاكها المستعمِر، إما نفّذها بنفسه أو بمساعدة رأس خندقه ]الولايات المتحدة[، وقد تكون صفقة القرن الجديدة القديمة، من أسوأ هذه المحطات والمخططات، والتي واجهها فريق “الإشتباك السياسي” بخطوات منها؛ محاولة تمرير مشروع يُدين صفقة القرن بمجلس الأمن، وخطاب لرئيس الفريق بمجلس الأمن بالتزامن مع مسيرات مؤيدة له برام الله، وفي اليوم التالي من الخطاب بمجلس الأمن يتحرك الرئيس مرة أخرى، لكن هذه المرة بمؤتمر صحفي مشترك بينه وبين الصهيوني إيهود أولمرت (كان هذا المؤتمر لمواجهة صفقة القرن بالطبع!)، ثم بعد ذلك بيومين تشارك ما تعرف باسم “لجنة التواصل مع المجتمع الاسرائيلي” (التي تشكلت بقرار من رئيس الفريق في كانون أول 2012) بمؤتمر برلمان السلام الاسرائيلي في تل أبيب، هذا عدا عن استقبال هذا الفريق لشخصيات “اسرائيلية” على مدار نحو أسبوع خلال هذه الفترة.
المشكلة هنا أن ممارسات فريق أوسلو، هي الصورة الدولية الظاهرة للطريق الذي من المفترض أنه يمثل الفلسطينيين، وأن تلك الطبقة السياسية المتنفّذة تعبر عن الشعب الفلسطيني ومصالحه وتتحدث بلسان حاله. لكن في الحقيقة، ومما لا شك فيه، أن هذه “القيادة” تعبر عن مصالح الطبقة التي تنتمي لها، وهي الطبقة البرجوازية الكومبرادورية الطُفيلية، لا عن مصالح الطبقات الشعبية الثورية. وعلاوة على ذلك تعمل على تغيير مفهوم الصراع مع المستعمِر الصهيوني، وتشويه الوعي المفاهيمي (مثل الحديث عن نزع سلاح المقاومة! أسمعتم عن شعب طرد مستعمره بدعوته إلى موائد الرحمن الرمضانية كما تفعل لجنة التواصل مع المجتمع الاسرائيلي؟!)، ما يؤدي بنهاية المطاف إلى كي الوعي الجمعي المقاوم لدى أبناء الشعب الفلسطيني.
من حيث المفهوم، البرجوازية الكومبرادورية هي البرجوازية العميلة في المستعمرات، والوكيلة للأجنبي (في الحالة الفلسطينية هي العميلة في المستعمرات الصهيونية، والوكيلة للمستعمِر). وتتميّز بأنها مرتبطة برأس المال الأجنبي ودوائره واحتكاراته، وهي تساعد تلك الدوائر والاحتكارات على تحقيق مصالحها، وبلوغ أهدافها وجني المزيد من الأرباح وما إلى ذلك. ومن الأدوار الرئيسة التي تلعبها أنها تُسهّل عملية استيراد رأس المال الأجنبي واستثماره داخل البلاد التابعة، وهي وثيقة الارتباط بالملكية العقارية الكبرى، وكبار الملاكين العقاريين وأصحاب المراتب العليا من البيروقراطيين. وهي طُفيلية كونها مستفيدة من كل أشكال الريع والاحتكار وتعتاش عليها وعلى استغلال وسرقة غيرها.
في مرحلة التحرر الوطني الديمقراطي يعتبر العامل الطبقي عاملًا مهمًا جدًا، ذلك أن الطبقات التي ستواجه معسكر الأعداء وحلفاءه وأدواته يجب أن تكون واضحة المعالم، حتى تكون صيغة العمل بينها واضحة، كي يكون مسار عملية التحرر صحيحًا ويستند إلى وحدة الفعل (الفعل المقاوم بالتأكيد) النابعة من وحدة الإرادة؛ وهذا ما يعمل أصحاب الطريق المساوم على تشويهه أو تغييره.

لكن كيف نواجه هذا الطريق؟
ولنمسك طرف خيط الإجابة، أقتبس؛ “ما زالت البرجوازية الكومبرادورية والطفيلية الفلسطينية بشقيّها الديني والوطني، تُضيف مزيدًا من الإحباط في أوساط الجماهير الفلسطينية جراء الاحتراب على سلطة محدودة، ولّدت فسادًا سياسيًا وماليًا وإداريًا وثقافيًا، جراء المراهنة على أوهام لم تتحقق”، من رسالة الرفيق أحمد سعدات، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إلى المؤتمر الوطني السابع للجبهة، عام 2014.
“إننا إذ لا نقلل من خطر الإسلام السياسي على قضيتنا الوطنية والديمقراطية، بعد تحوّلاته الأخيرة واختياراته التي لا تفيد العملية التحررية الوطنية، نرى أن الخطر الثاني بعد خطر الاحتلال كخطر رئيسي مستمر وقائم، هو الهبوط السياسي للقيادة المتنفّذة في منظمة التحرير الفلسطينية،واستجابتها للضغوط الأمريكية والصهيونية، وذلك يملي على حزبنا وقوى وشخصيات اليسار الفلسطيني، إدراك عمق التحولات الطبقية والسياسية التي طرأت على البرجوازية الطفيلية في منظمة التحرير الفلسطينية، إن المطلوب هو عدم التماهي معها أو مهادنة مواقفها تحت فزاعة الخطر الأصولي كوجه آخر لعملة البرجوازية الطفيلية ذاتها. هذا يُملي علينا كحزب ثوري وقوى يسارية أن نبرز رؤيتنا الثالثة المستقلة والنابعة من مصالح وطموحات الجماهير الشعبية التي تعبّر يوميًا عن استيائها مما آل إليه وضع قضيتنا”، انتهى الاقتباس.
ثمة طرفان إذن، الأول؛ الطبقات الأكثر اضطهادًا – العمال والفلاحين وقطاعات من البرجوازية الصغيرة، والفلسطينيين في مخيمات اللجوء – وهم الأكثر تناقضًا وتناحرًا مع التحالف الإمبريالي الصهيوني الرجعي، وهو الطرف المقاوم. والثاني؛ البرجوازية الكومبرادورية والطفيلية الفلسطينية، وهو الطرف المساوم.

من منظور طبقي، نرى أن الطرف المساوم، وبناءً على ما سبق أعلاه، لم يعد مُحرّكًا قويًا من مُحرّكات حركة التحرر الوطني، بل بات عامل كبح لسيرورتها. الأمر الذي ينعكس بالضرورة على العلاقة الجدلية بين الوحدة والمقاومة.
وعليه، طالما أن الطرف المساوم يمثّل مصالحه التي ذكرت آنفًا، ولا يمثل مصالح الطبقات الثورية، والطرف المقاوم يمثل المصالح الشعبية الثورية، فحتى لو أراد المقاوم أن يتوحّد مع المساوم فإن الأخير لن يقبل لأن ذلك يتعارض مع مصالحه إلى حد خسارتها.
لا يختلف اثنان على أن الوحدة الوطنية هي ضرورة من ضرورات التحرر، لكن ما هو نوع تلك الوحدة، وكيف تكون؟ للإجابة، أقتبس من الحكيم مرة أخرى: “إن الوحدة الوطنية ليست عملية فوقية تتم عن طريق المناشدة أو تتم بمجرد تحديد المواقف السليمة للوحدة الوطنية. الوحدة الوطنية هي وحدة طبقات الثورة، وهذه تتم من خلال وحدة الموقف ووحدة البرنامج، وهذا يتم من خلال الجماهير، وهي التي تصنع الوحدة الوطنية.”، بيد أن السؤال الأهم الآن هو كيف نحقق هذه الوحدة الوطنية؟… سؤال برسم الإجابة الوطنية!

بواسطة
فارس فايز
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى