لآخر المستجدات تابعنا على قناة تلغرام

تابعنا
مقالات

حكمة شيخ/ بقلم: جهاد المنسي

دلفت عليه من الباب، وجدته متحفزا أمام شاشة التلفاز، يقلّب قنواته، يقفز من واحدة لأخرى، يتوقف عند بعضها هوينة، ويقفز عن قنوات أخرى، وكأنه لا يريد أن يسمع ما تقول.

كان يبحث عن نشرات الاخبار، فهو يريد الاستماع لما يجري حوله من قصص وأحداث، لعله يسمع خبرا يرضيه، ويعزز من أمل انتظره طويلا، لنحو 68 عاما ويزيد، هو يسمع كل ما يقال، يحلل كما يريد بعقليته، لا بعقلية المحللين الذين يظهرون عبر القنوات، سألته: عمّ تبحث؟ أجابني بلا تردد: أبحث عن الحقيقة لعلي أجدها ببعض كلمات تلك القنوات.

سألته وهل وجدت الحقيقة يا والدي؟ قال من دون تردد: يا ولدي الحقيقة الراسخة التي توصلت إليها وأنا الذي أمضيت كل ربيع وسواد وخريف العمر، وأنا استمع لنشرات الأخبار، أن كل من يتحدث أو يُذكّر الناس ولو باللسان، أو حتى بالكذب، بأن هناك أرضا محتلة اسمها فلسطين، يحتلها الصهاينة، يقتلون البشر ويحرقون الشجر، تقوم عليه الدنيا ولا تقعد، يصبح رأسه مطلوبا، وكرسيه مضروبا، ودمه مباحا، وشخصه مستباحا، فيجري العمل على إزاحته من مكانه، عبر إثارة فتن داخلية في بلده حينا، وإرسال قتلة وإرهابيين وظلاميين لحيّه، يقطعون الطريق، يزعزعون لحمة جيشه ويقطعون أوصال بلده، فيوصف مرة بالإرهاب، وأخرى بانه مجنون ومعوج اللسان، وثالثة يقال عنه بأنه يهدد البشرية بقنابل نووية أو ذرية أو عنقودية، وان وجودها بين يديه خطر على الإنسانية، فيشنق صبيحة الأعياد.

أثارني ما قاله الشيخ الجليل، سألته ولماذا لا تتوقف لتسمع ما تقول القناة الإخبارية الفلانية أو أختها العلانية؟ كان سريع الجواب، فقال: تلك القنوات يا ولدي ومع التجربة الطويلة همها إثارة الفتن والتحريض، فهي لا ترى إلا بعين واحدة، ولديها أجندات واضحة، وتنقل ما تريد وتسمعنا ما يثير مشاعرنا وكفى، تحرّض وقتما يطلب منها ذلك، وتسكت وقتما يطلب منها أن تسكت، بعضها يا ولدي ساهم في تخريب دول مستقرة، وبعضها الآخر حاول تخريب دول أخرى وفشل، وبعضها ما تزال عينه على دول مستقرة لتخربيها.

تابع وقد اخرج من أحشاء قلبه تنهيدة كبيرة، عمرها بعمر النكبة، التي تلوح ظلال ذكراها هذه الأيام، فقال: يا ولدي القنوات التي لا ترى منذ 68 عاما ما يجري بفلسطين ولم تستفزها مناظر القتل من مسافة صفر، واكتفت بخبر في ذيل نشراتها، تلك القنوات لا تريد مصلحة الأمة، وهدفها مصلحة من يشغّلها ومن يطلب منها التصعيد، ضد هذا البلد أو ذاك.

تنهد الشيخ وهو يأسف على مناظر الدم في حلب، ترقرقت دموعه على خدّه، هز رأسه رافضا نزف الدم السوري، الذي يجري في كل مكان في الأرض الشامية، قال بأسف: إنهم ما يزالون يتاجرون بالدم السوري، لا توقفهم مناظر دماء الأطفال تحت الأنقاض، ولا الثكالى وهن يستغثن، فمنظر الدم بالنسبة لهم يؤثر بشكل أكثر، وهو مادة إعلامية للوصول إلى نتيجة مباشرة لأجندتهم، ولا بأس من استغلاله في معركة التحشيد الأحادية، ولا بأس من استعارة الدم السوري لإدامة أمد الحرب، التي تطحن فقط الشعب السوري، فيما اللاعبون الإقليميون يخططون لكسب أكبر حصة من كعكة هذا الدم النازف.

ختم شيخي الجليل كلامه، وأنا أهمّ بتركه مع شريط أخباره، فقال: هل تعلم يا ولدي أن عدد المستوطنين الذين اقتحموا المسجد الأقصى أولى القبلتين ومسرى الأمين محمد عليه السلام، بلغ خلال الثلث الأول من العام الحالي نحو 4840 مستوطنًا؟ وهل تعلم أن تلك النسبة هي الأعلى مقارنة بالأعوام السابقة؟ وبعد أن أغمض عينه هُنيهة، قال خاتما كلامه: لم يعد يضير الصهاينة مواقف العرب، فالصهاينة باتوا يعرفون أكثر أن العرب مشغولون آنيا في قتل بعضهم بعضا، ولا ضير من زيادة منسوب التهويد والاقتحام، فالعرب يا ولدي لا يتكلمون، وقنواتهم تنفّذ أجندات مختلفة، وفلسطين ليست من ضمن تلك الأجندات.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى