لآخر المستجدات تابعنا على قناة تلغرام

تابعنا
مقالات

روح الإرهاب (1-5)

جان بودريار مفكر فرنسي، صنّف كمفكر ما بعد حداثوي، في الفلسفة وعلم الاجتماع، وفي السينما وتفكيك الصورة، كما أنه يعتبر امتداداً لآراء الأممية المسماة “الأممية المواقفية” التي انطلقت في إيطاليا عام 1957م.


أنتج بودريار العديد من الأعمال التي تحاكي ماركس الشاب، وأعمال مدرسة فرانكفورت، وجورجي لوكاتش. يمكن القول بأن أعماله انطلقت من الإنسان كوحدة معيارية، وناقش الظروف الموضوعية بتعمق بما يخدم ويفسر هذه الوحدة، الإنسان.
كتب العديد من المقالات المهمة، والأبرز منها كانت عن حرب الخليج (حرب الخليج لن- لم تقع). وله العديد من المؤلفات المهمة، منها الإصطناع والمصطنع، ونظام الأشياء، وكتاب بعنوان “روح الإرهاب”.
هذا الأخير سيكون مادة أساسية لنقاشي هنا، في هذه السلسلة، مسألة الإرهاب، في محاولة لتجاوز البُعد السياسي الضيق لصالح البُعد الفلسفي لروح الإرهاب، ولذهنه.
لقد انتقد بودريار الغرب ليس بعين مستشرق متعاطف، بل بعين غربي متألم من واقعه قبل كل شيء، فاعتبر أن حساب الربح والخسارة، وتقدير كل شيء بنسب الفائدة، والعلاقة بين السعر والجودة، إنما هي ذنوب الغرب، ذنوب العولمة الرأسمالية. سلعة الموت ذات سعر مرتفع، لأن جودة الحياة اللاحقة عالية، وحسابات الانتحاري هذه للغرب يد فيها. سيقول قائل، لقد كانت التجارة نصاً مقدساً، وتمثلت في العبادة نفسها والامتثال للتشريع المقدس، ولكن بودريار يعالج الواقع الآن وهنا، إنه باختصار كان يأمل ببديل العولمة الرأسمالية أن يمحو الانفعالات الناشئة عن ذلك الموروث، حتى لو لم يمحيه!
إنه يدين الأموال العائمة وسهولة حركتها والسرعة الإجبارية في الحياة، ويعتبر أن الإرهاب أذاب المكونات في محلول، وترجم كل هذا اللايقين إلى انعدام كلي للأمن، إن الإرهاب بنظره يستكمل عربدة القوة المفرطة القائمة أصلاً!
محاكاة واضحة ينسجها الكاتب مع نظيره من القارة اللاتينية، بورخس، (تنفى الشعوب المهزومة إلى ما وراء المرايا، ويحكم عليها أن تعكس صورة المنتصرين)، لكن الأول يرى أن هذه الشعوب تبدأ بعد زمن في تحطيم المرايا، لتهاجم الإمبراطوريات التي انتصرت عليها.. وهو لا يمتدح هذا الهجوم، إنه يرى في الانتحار اندماجاً في طبيعة النظام القائم أصلاً على الانتحار، ولكن في نهاية المطاف إنه يعمل على تفكيك طبيعة الفعل، ولا يركن إلى الإجابات السريعة التي تلقي باللوم على وعي الفرد وتمضي، إنه يبدأ من نقطة الأصل.
من المهم هنا الإشارة إلى أنه يعتبر الإرهاب غير أخلاقي بطبيعة الحال، إلا أنه يعتبر العولمة الرأسمالية لا أخلاقية إلى حد بعيد…
في هذه السلسلة لنتحدث عن جريمة العولمة الرأسمالية وجريمة الإرهاب، وعن الإرهاب والموروث.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى