لآخر المستجدات تابعنا على قناة تلغرام

تابعنا
مقالات

سلام الدين

ترى مدرسة علم النفس الكلاسيكية أن وجود حياة أخرى في وعينا، يساهم في الحط من قيمة الحياة المعاشة، إنها تماماً كشعور لاعب شطرنج يعرف بأن ثمة مباراة إعادة ممكنة، وتماماً كشعور لاعب كرة قدم في الشوط الأول، مع فريق متأخر بهدف واحد.


بمعنى آخر، إن الشعور بفائض الوقت المتبقي، أو بالخلود، أو بالفرصة البديلة القائمة والمتجددة، كان أداة من أدوات السلام المؤقت في عدد كبير من الديانات.
ولكن هذا السلام لدى الإنسان الفرد، لم يخلق سلاماً في مجتمعه، بل على العكس من ذلك، هدده، وبقوة. فوجود الفرصة البديلة، هو العماد النفسي لكل عناصر التيارات التكفيرية، هو الزهو الضروري للحظة الانتحار، الانتحار البديل تماماً عن الثورة، كما نفهمها هنا على الأرض.
ليست وحدها ديانات الوعد بالآخرة، والعقاب والثواب، كالإسلام، عبثت في معنى السلام. حتى البوذية (التي تعتبر من أكثر الديانات إنسانية، في مراحلها المبكرة تحديداً)، تعرضت لمفهوم السلام استناداً إلى نزع الألم وقتل الرغبة. إنها أسست لمعنى السلام الداخلي بناء على قتل الرغبة، مما يعني عدم تعرضنا للألم بعد ذلك. وهذا المعنى من السلام أكثر سلبية من سابقه، إنه أقل خطراً وعدوانية، ولكنه كذلك أقل حياة، إنه مليء بالماء على حساب النار، إنه سلام قائم على فكرة الدفاع عن النفس، أو حتى الهروب منها، إنه تماماً كدورات اليوغا أو البرمجة العصبية عند الإنسان الحديث.
إن السلام الذي حاول أن يهديه الدين للإنسان الفرد، إنما ملأ به نفسه المجتمعات الإنسانية بالفساد والقتل، كما أنه لن يتمكن من الاتساق مع متطلبات الحياة الحديثة.
مع استنفار الجهاز العصبي للإنسان الحديث، وتحت ضغط تكنولوجيا الاتصال، وعصاب الاستهلاك الذي تفرضه الأسواق الكبرى، لم يعد سلام الدين قادراً على أن يقدم شيئاً. فالإنسان الحديث لم تعد مشكلته تكمن فقط في تفسير معنى وجوده، وإنما تتجاوز ذلك إلى بيئة الوجود التي تشل حركة التأمل في معناه، وتقتله.
مع أن الفلسفة تراجعت إجمالاً منذ القرن العشرين، إلا أن عودة اضطراية لهم كـ “أطباء الروح” باتت تلوح في الأفق، وعندها سينتزعون من رجال الدين ما خسروه قروناً من الزمن!

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى