لآخر المستجدات تابعنا على قناة تلغرام

تابعنا
مقالات

غزة في بؤرة صحافة العدو

بينما يدخل الحصار المجرم المخالف للقانون الدولي، والذي يفرضه الكيان الصهيوني بمشاركة مصرية، على قطاع غزة عامه الحادي عشر، تعترف “إسرائيل” الآن، بأن حصارها لم يحقق أهدافه المزعومة بضمان الهدوء في المدن والتجمعات الجنوبية.
منذ أشهر تغص الصحف والمواقع “الاسرائيلية” بمنشورات وموضوعات تفصح عن الرؤية الصهيونية لحالة القطاع، وتتحدث عن اتصالات بين حكومتها وبين حماس!الاهتمام الصهيوني ينصب الآن على غزة، وكأن أمر الضفة قد طوي بالكامل، في حين تعلن حماس التزامها باتفاق التهدئة الذي تم التوصل إليه عقب العدوان الاسرائيلي على غزة في العام 2014، وتؤكد على موافقة الحركة بمختلف أطرها على المبادرة المصرية الدولية الاخيرة، وأن وفدا من الحركة قد حمل هذه الموافقة لرئيس الاستخبارات المصرية، كما تنوي إقناع باقي الفصائل بتبني موقفها.

من المفيد الاشارة هنا، إلى أن الحصار قد فرض ظاهريا على غزة إثر سيطرة حماس على القطاع في العام 2007، لكن في الواقع، لم يشكل هذا التاريخ سوى ذروة لسياسات اسرائيلية مستمرة منذ عقود، والقائمة على استخدام الغطرسة العسكرية، والقمع الاقتصادي والأمني، في حين شن الاحتلال اثنتي عشرة حربا على القطاع منذ العام 1948، واطلق العنان لوحش الاحتلالات والاغتيالات، حتى قبل عقود من ظهور حماس!
إن كنا نشهد أحيانا بعض الاختلافات في مقاربات الاعلام الصهيوني فيما يتعلق بوضع الضفة، فإن الصحافة والرأي العام الصهيوني يكاد يكون مجتمعا على كراهية غزة، والدعوة لابقائها تحت الضغط المتواصل.
يأخذ جزء من الرأي العام الصهيوني على حكومته افتقادها لسياسة محددة تجاه غزة، إلا أن المتتبع في قراءات هذا الاعلام يلحظ تبلور نسق سياسي محدد تديره الإدارات بشكل صارم، ويتم تمريره بمناورات سياسية تتكيف حسب المرحلة والظرف السياسي، وحجم ردود الافعال الدولية!
تتوافق الصحافة الاسرائيلية بأن السياسات تجاه القطاع ترتكز على ثابت ضرورة حفظ الهدوء على الجبهة الجنوبية، وإن تم ذلك دون حرب وخسائر بشرية وردود فعل دولية، فهذا جيد، مع ضرورة إبقاء “الجيش مستعد لكل سيناريو”!
لا تريد “إسرائيل” إدارة الحياة اليومية لسكان القطاع، ولكنها تعمل على التحكم بحياة السكان وبالسلطة المحلية بكل النواحي باستثناء الادارة الداخلية.
وحسب القراءات، فإن “إسرائيل” ومهما اختلفت حكوماتها،لا تعترف بوضع حماس كحكم سياسي مشروع، بل تعتبر القطاع منطقة مشاع سياسي أمني مباحة، بينما تسيطر على البحر والجو، وعلى حركة البضائع والبشر.
نظريا، تعتبر “الدولة” نفسها معنية بكسر”المنظمات المسلحة” في القطاع، ولكنها تفضل رسم صورة حماس كعصابة مسلحة في داخل أحدى قطاعات الدولة، يُترك لها مسؤولية السكان بينما تُعفى الدولة من التزاماتها المدنية في “مناطق السيطرة”. وتروج الصحافة الصهيونية، لسياسة “اسرائيلية” قائمة على السيطرة من الخارج إلى جانب الحروب الدورية، الأمر الذي ساعد على التوصل إلى توازن في السلوك العدواني بين “إسرائيل” وحماس.
وتلمح بأن “إسرائيل” تواطأت مع سيطرة حماس على القطاع، طالما أدى ذلك إلى ردع إطلاق الصواريخ، أو عدم إطلاقها إلا من أجل إعادة التفاوض على التهدئة!
عند بدء الحصار كان الهدف الاسرائيلي المزعوم؛ هو فرض انهيار حكومة حماس، إلا أن الهدف الحقيقي المتجدد أصبح تحييد القطاع، وفصله عن الضفة وتأبيد الانقسام، حتى ولو بقي تحت حكم حماس، والأهم هو إحلال كيانين فلسطينيين بدلا من كيان واحد.
وعلى الصعيد الخارجي، فإن ترويج رواية، بأن القطاع تحكمه “منظمة اسلامية متطرفة تتبنى الارهاب وتصفيه دولة اسرائيل” يسهم في تبرير الاعتداءات وتشديد الحصار.
للوصول إلى نتائج مسيطر عليها، تعمل “الدولة” على انهاك القطاع، وترى الصحافة بأن التدخل الامريكي الأخير باقتطاع مبلغ 300 مليون دولار من المساعدات الامريكية المقدمة للانروا يأتي في سياق التركيع بالإضافة لدلالاته السياسية الاخرى.
في منطقة تبلغ نسبة البطالة فيها حوالي 44%، وذلك تمهيدا لاستبدال القضية الفلسطينية بقضية انسانية لتسهيل تمرير ما يسمى بالسلام الاقتصادي، وصفقة القرن!
على مدى العقد الماضي، نبهت مؤسسة استخبارات “اسرائيل” إلى تزايد قدرة حماس، على السيطرة على العمليات من القطاع، وارتسمت صورة تظهر غزة كدولة، وظهور سلطة مركزية يخضع لها جيش، لكن بامكان “اسرائيل” أن تبقيها دولة “مخصية” لا تسيطر على حدودها؛ ورواتب موظفيها تدفعهم السلطة أو قطر!
هكذا ، تستخدم الحكومة استراتيجية بناء دولة العدو “الجارة” من أجل إدامة السيطرة. حماس تجاوبت مع ذلك بشكل مقبول، وبذلك امتنعت “اسرائيل” عن المس برموزها، حتى أنها سمحت لكل قيادة الحركة، دخول القطاع في تظاهرة استعراضية.
“اسرائيل” تريد حماس قوية لدرجة السيطرة على مفاتيح الصواريخ.. مع هشاشة سياسية واقتصادية وعسكرية، تبعد الحرب القادمة ضمنياً بعد أن أصبح “لدى حماس ما تخاف عليه”. معادلة يقابلها عدم إضعاف ابو مازن كثيرا؛ “أبو مازن ضعيف ليس جيدا للدولة خاصة في ملف التنسيق الامني”، وهو الملف الوحيد المُفعٌل مع السلطة!
تراقب الصحافة “الاسرائيلية” منذ نحو عشرة أشهر استئناف مصر لمبادرة المصالحة بين السلطة وحماس، كمصالحة بين سلطتين وليس بناء حالة توحيدية، ومصر –دون الابتعاد عن الرؤية الاسرائيلية– ترى بأن تحررها من تبعات فتح الحدود سيكون أيسر في حالة عودة السلطة إلى غزة!
الحكومة الاسرائيلية منحت الجانب المصري الضوء الاخضر في اجتماع أيار السري، وجمع نتنياهو بالسيسي، ولكنها لا تريد لمحمود عباس أن يتجاوز مهمة نزع سلاح حماس فوراً. وافق ابومازن وأسهم في الامعان في خنق القطاع.
في بداية كانون أول، أدركت الحكومة الاسرائيلية بأن سلاح الخنق القاسي قد حول الوضع الانساني إلى كارثة اجتماعية وبيئية قاتلة، وأوصل القطاع إلى حافة الانفجار، فابتدعت خطة إعادة إعمار البنى التحتية الانسانية، وجندت لذلك الأمم المتحدة والولايات المتحدة وقطر، وفي الخلفية؛ ملف الاسرى والمفقودين.
ولكن سرعان ما إندلعت موجة “العنف” في القطاع وتجمد كل شيء! فطرحت الصحافة سؤال: هل يتوجب على “اسرائيل” اليوم إعطاء ما كانت مستعدة لاعطائه قبيل اندلاع “الاضطرابات” داخل القطاع وعلى طول الشريط!؟
في نظر هذه الصحافة فإن القسام ممكن احتوائه، خاصة بعد أن قطعت حماس مؤخراعلاقتها مع داعش سيناء، وانصب اهتمامها على القطاع؛. المستجدات المقلقة “لاسرائيل” جاءت باندلاع “مسيرات الشريط” منذ 23 اسبوعاً، والطائرات الورقية الحارقة، واستعادة الجيش السوري لزمام المبادرة فوق أراضي سورية وقرب الجولان، رغم ظهور مؤشرات على عمل حماس لخفض مستوى اسناد “اضطرابات الجدار” وهجوم البالونات!
تعبر حماس عن ارتياحها لتحولها إلى عنوان سياسي يتجاوز السلطة والمنظمة، ولم تعد متحمسة لا لعودة السلطة ولا إلى الخطة المصرية للمصالحة، وتفضل تسوية منفردة مع اسرائيل برفع الحصار.
على المجتمع الدولي أن يضع حدا للعدوان والحصار، وعلى الجانب الفلسطيني أن يوقف التردي الخطير في الحالة الفلسطينية، بانهاء الانقسام ومغادرة أوهام الخيارات الفردية البائسة!

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى