لآخر المستجدات تابعنا على قناة تلغرام

تابعنا
مقالات

في مشكلة التقاعد المبكر / ماجد توبة

تجهد المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، عبر حملات إعلامية وتوعوية مكثفة، في الحد من الإقبال المتزايد من قبل مشتركي الضمان على التقاعد المبكر، وهو ظاهرة باتت ملحوظة خلال السنوات القليلة الأخيرة، فيما يتوقع أن يتزايد لجوء الكثير من العاملين والموظفين إلى خيار التقاعد المبكر والخروج من سوق العمل في السنوات القليلة المقبلة، ما يفاقم مشكلة “الضمان”، الذي يشكو من الارتفاع المتواصل لفاتورة الرواتب التقاعدية. 

آخر أرقام وإحصاءات الضمان الاجتماعي تتحدث عن خروج نحو 14743 مشتركا على التقاعد العام الماضي، كان من بينهم 8965 متقاعداً على نظام التقاعد المبكر، بنسبة 61 % من إجمالي حالات التقاعد الجديدة للعام 2017. علما أن العدد التراكمي لمتقاعدي الضمان الاجتماعي بلغ نحو 211 ألف متقاعد ومتقاعدة. وبلغت قيمة فاتورة الرواتب التقاعدية لشهر شباط (فبراير) الماضي 81 مليون دينار.

طبعا؛ الأزمة في هذا السياق، ليست في مؤسسة الضمان الاجتماعي بل هي أزمة سوق عمل وأوضاع اقتصادية ومعيشية عامة، تطحن تحت نيرها عشرات الآلاف من العمال والموظفين ممن يعيشون في أوضاع وظيفية غير مستقرة أو لا توفر لهم الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم، مما يدفع بأعداد متزايدة للبحث عن خيارات جديدة وتنويع مصادر الدخل، بحيث لا يتردد العامل والموظف باللجوء إلى التقاعد المبكر، رغم انخفاض نسبته من الراتب العادي، على أمل البحث عن وظيفة أو مصلحة متواضعة ترفد راتب التقاعد لمجاراة ارتفاع كلف المعيشة.

مشكلة هذه الحسبة النظرية هي في أنها تبقى في الغالب نظرية في ظل شح فرص العمل التي يولدها السوق الأردني، وتواضع دخول ورواتب المتوفر من فرص عمل ومهن حرة في ظل ارتفاع متواصل ومطرد بكلف المعيشة وأسعار السلع والخدمات، ما يترك الباحث عن مثل هذا الحل كالمستجير من الرمضاء بالنار!

لكن في جانب مهم من قضية التقاعد المبكر، فإن اللجوء إليه من قبل العديدين يكون خيار المضطر، في ظل عدم الاستقرار الذي تعانيه مؤسسات صناعية وتجارية خاصة واضطرار العديد منها للخروج من السوق، بعد أن أثقلت كاهلها الإجراءات الاقتصادية والضرائب والرسوم وارتفاع كلف الإنتاج خلال موجات “التصحيح الاقتصادي”، وهو ما دفع ويدفع بالعديد من هذه المؤسسات والشركات لتسريح موظفيها وعمالها أو تقليص أعدادهم لتتمكن من البقاء.

المشكلة اليوم؛ أن الحكومة ومؤسسة الضمان الاجتماعي تتعاملان مع قضية تزايد الإقبال على التقاعد المبكر وما يرتبه ذلك من أعباء مالية ضخمة على موازنة الضمان، حاليا ومستقبلا، وكأنه مشكلة مؤسسة الضمان فقط، لذلك يتم البحث عن معادلات وتعديلات تشريعية جديدة تضيّق من باب التقاعد المبكر، بل وتتحدث بعض التسريبات عن توجه لإلغائه في تعديل مقبل على قانون الضمان.

أعتقد أن في مثل هذه الحلول على حساب المشتركين والعمال افتئات وظلم وعدم مراعاة لأوضاعهم وحقوقهم، فأغلب من يلجأون إلى التقاعد المبكر يكونون مضطرين لذلك ومن حقهم أن تتوفر لهم حياة كريمة كانوا اشتركوا لسنوات طويلة في الضمان لتأمينها.

الحل والمقاربة الأنجع لظاهرة ومشكلة تزايد الإقبال على التقاعد المبكر للضمان يكون بسياسات اقتصادية متكاملة وشاملة تعيد ترتيب أوضاع سوق العمل وشروطه وتحفز النشاط الاقتصادي بما ينعكس على العمال والموظفين وحركة الإنتاج والعمل، وبالتالي تحسين الدخول والأجور ما يغني العامل عن الهروب إلى التقاعد المبكر.

نعلم أن مثل هذا الانعاش الاقتصادي وإصلاح سوق العمل لا يتم بين يوم وليلة، وقد يحتاج لعدة سنوات لتؤتي السياسات والتشريعات أُكُلَها، لكن ذلك هو الأجدى والمطلوب من الحكومة بدل التوجه الى الغاء التقاعد المبكر للضمان الاجتماعي أو الاستمرار في مربع الشكوى من أعبائه وآثاره المستقبلية على أموال الضمان!

نقلا عن الغد

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى