لآخر المستجدات تابعنا على قناة تلغرام

تابعنا
مقالات

كوبا .. مصنع الأدمغة، تشارك بقوة في الجهد العالمي لمكافحة الكورونا

د. موسى العزب
رفوف مخازن فارغة، ربما، ولكن العقول ممتلئة. ولا مثيل لها من قبل البلدان النامية الأخرى. رغم أن المؤسسات العلمية في كوبا لا تزال غير معروفة في الخارج إلى حد كبير، ومع ذلك فهي طليعية في مجالات الطب والبحوث الطبية الحيوية على وجه الخصوص
في العام 1960 أعلن فيديل كاسترو: “يجب أن يكون مستقبل بلادنا بالضرورة مستقبل رجال العلم، رجال الفكر، لأن هذا هو بالضبط ما نزرعه”. عام 1959، كانت هناك فقط ثلاث جامعات في البلاد، وفي العام 2012 قفز معدل من يتقن القراءة والكتابة من حوالي 70٪ إلى أكثر من 99٪ . بينما بقيت النسبة في جزيرة هاييتي المجاورة تراوح حول 62٪.


الآن “تصدر” هافانا الأطباء والباحثين المتطوعين حول العالم، ويفسر نجاح كوبا في مجال الطب والطب المساعد إلى حد كبير من خلال جهود الدولة في التعليم العام، حيث تنفق عليه أكثر من 10 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
البلد الآن على قدم المساواة مع الولايات المتحدة من حيث العمر المتوقع، بينما وفيات الأطفال الرضع في كوبا 5 لكل 1000 مولود حي، وهي بذلك أقل من الولايات المتحدة التي سجلت 5.75 لكل 1000 مولود حي. وبالتالي فإن الأطباء هم مكاسب اقتصادية وإنسانية حقيقية للجزيرة.
بفضل الاتفاق المبرم في عام 2000 مع فنزويلا من قبل هوغو شافيز، تلقت كوبا دعما هاما مقابل وجود أكثر من عشرة آلاف طبيب وأكاديمي كوبي فوق الأراضي الفنزويلية.
مدير مركز العلوم العصبية الكوبي الشهير:(CNEURO) في هافانا، الدكتور ميتشيل سوسا، الذي كان شاهدًا مميزًا على تاريخ تطور العلوم الكوبية. حيث نفي هذا العالم إلى شيكاغو تحت حكم الديكتاتور باتيستا (1952-1959)، عاد والده إلى الجزيرة في عام 1961 لممارسة مهنة التوليد وتعويض هجرة البرجوازية الطبية التي هربت بعد نجاح الثورة. وبذلك شهد إنشاء المركز الوطني للبحوث في العام 1965، ووصول العديد من الباحثين والأطباء من الجيل الأول، الذين عادوا من الإتحاد السوفييتي، ومن تشيلي في حقبة حكم سلفادور أليندي، وشكلوا طلائع الأطباء في الجزيرة في عام 1971، حيث إبتعدت كوبا ببحثها العلمي عن النموذج السوفيتي الذي كان يعتبر مركزيا وبيروقراطيا لدرجة كبيرة. أعطت الحكومة المزيد من الاستقلالية للباحثين الذين استشارتهم بشكل متكرر.
في تلك الفترة ساهم فالديس سوسا وشقيقه بيدرو في بعض الإنجازات الرئيسية في العلوم العصبية المحلي، مثل بناء أول نظام كوبي رقمي للتصوير الدماغي المساعد. أو تصميم الخوارزميات لمعالجة الإشارات العصبية التي لا تزال تستخدم حتى اليوم.

ولأن ميزانية البحث العلمي الكوبية كانت محدودة، دخلت الصين كشريك تفضيلي، عندما مُنحت تفويضًا لفتح شركة أدوية على الجزيرة. وقد إعتمدت الحكومة أسلوب الدوائر الحلقية المترابطة، حيث تتركز فيها البحوث الأساسية والبحوث التطبيقية وسلاسل الإنتاج في مكان واحد. حيث يجمع CNEURO على سبيل المثال علماء الأحياء والرياضيات والفيزياء والأطباء المشاركين في التجارب السريرية المختلفة بالإضافة إلى العديد من الفنيين المتخصصين، في فضاء واحد، وينتج المركز كل عام حوالي ستة آلاف طرف صناعي، وأجهزة سمعية تسمح بالتشخيص المبكر للصمم عند الأطفال الصغار.
وتمتلك “الشركة الطبية الحيوية العامة”، أكثر من ألف براءة اختراع، وتصدر عدة مئات من المنتجات المختلفة إلى البرازيل وفيتنام وجنوب إفريقيا وفنزويلا والجزائر وإيران. وما زالت الصين تعتبرشريكا مميزا لكوبا ،في مجالي التدريب والإنتاج، كما يهتم الكنديون والفرنسيون، بالقطاعات الطبية والدوائية الكوبية.
لقاح السرطان
منذ اتفاقيات ديسمبر 2014 التي أدت إلى إعادة فتح السفارة الأمريكية في هافانا وتحسن العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا، تم إخضاع عقارين كوبيين واعدين للتجارب السريرية في الولايات المتحدة: أحدهما لقاح جديد ضد سرطان الرئة، ودواء ضد الغرغرينا المرتبط بمرض السكري. في المقابل حصلت هافانا على تسهيلات إدارية سمحت للشركات الأمريكية بتصدير مجموعة أوسع من المنتجات إلى كوبا. تراجع ترامب عن كل ذلك في تموز 2017 وأوقف كل أشكال التعاون العلمي، متذرعا بأن “كوبا هي ديكتاتورية”، وقد استعان الكونغرس مؤخراً بقانون “الديمقراطية الكوبية (1992)” لفرض بند تعاقدي يلزم أطباء الأطفال الكوبيين بعدم استخدام المعدات الأمريكية التي يتلقونها بدعوى إستعمالها لتعذيب الأطفال!! قرار جائر أثار غضب القطاع الطبي في البلدين .
ومع ذلك، وعلى الرغم من السياسة الإيثارية لـ “الطب الثوري” الكوبي الذي نادى به إرنستو “تشي” جيفارا، فإن النظام العلمي الكوبي يجد عرقلة وصدا وإنتقادات وتشويه مقصود من جانب الدوائر الغربية وخاصة الولايات المتحدة، حيث يتم توجيه إتهامات جائرة، تدعي بأن إرسال الأطباء الذكور إلى الخارج، يخفي دلالات عنصرية وجندرية، مع العلم أن كل البعثات الطبية الكوبية للخارج تشمل الجنسين دون تمييز، وأن البعض لا يرسل تطوعا وإنما ضمن آليات للخدمة المدنية، حيث يحجر عليهم في معسكرات شبه عسكرية، مع ذلك فإن واشنطن تبذل جهودا مستمرة بتقديم إغراءات مادية هائلة لتحفيزهم على الإنشقاق والهرب. مؤخرا وبعد وصول عشرات المتطوعين الكوبيين إلى إيطاليا، يدعي ترامب: بأن كوبا وأطبائها بعملهم هذا يسعون إلى الحصول على العملات الصعبة من وراء تطوعهم!!

أطلقت الحكومة برنامج إستبياني بحصر التوائم في الجزيرة، للتنبؤ بشكل أفضل بظهور بعض الأمراض الوراثية، وأمراض الشيخوخة، إلا أن الآمال التي أعقبت افتتاح قطاع الطب الحيوي “حامت حوله صعوبات مالية”. بينما يوجد الآن جهات علمية فرنسية، مهتمة بالتعاون مع البحث العلمي الكوبي، وتعول على أن المختبرات الكوبية مليئة “بالباحثين الموهوبين الذين من الممكن أن يحدثوا تأثيرا إيجابيا في المؤسسات الفرنسية”وأن تطوير هذا التعاون سيعتمد – وفقًا لهذه الجهات – على بلورة شراكات دولية، تركز بشكل خاص على تبادل المهارات والمعدات.

هناك دول أخرى تتقدم على فرنسا في مجال التعاون مع كوبا. على سبيل المثال، عرضت جامعة ماستريخت (هولندا) جهاز متقدم للتصوير بالرنين المغناطيسي يشارك به لـ CNEURO، كما إبتكرت برنامج دكتوراه مختلط يسمح لها بشكل خاص بالاستفادة من خبرة كوبا في ما يسمى التصوير العصبي “متعدد الوسائط”.

من أجل التنبؤ بشكل أفضل بمظهر وتطور الأمراض العصبية التنكسية، مثل مرض الزهايمر -الذي يتزايد على الجزيرة بسبب شيخوخة السكان- أطلقت الحكومة الكوبية في عام 2004 برنامجًا واسعًا، يشارك به بفعالية أكثر من مائة ألف شخص،لتتبع الأمراض الوراثية، والتأثيرات التفاعلية بين الجينات والبيئة، حيث يجري هذا في واحدة من أكثر الدول اختلاطا. وفي مجال علم الأعصاب الإدراكي، تقوم شراكة هولندية كوبية طويلة الأمد لدراسة تأثير الاختلاف بين الثقافات، على العلاقة بين البنى الاجتماعية والسلوك الفردي.

بواسطة
د.موسى العزب
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى