لآخر المستجدات تابعنا على قناة تلغرام

تابعنا
مقالات

هي كذلك…  / وليد حسني

فقد كانت معركة الكرامة أول انتصارات النظام العربي على دولة الاحتلال الصهيوني، وكانت كذلك اخر انتصارات النظام العربي على ذلك الاحتلال…

أليست تلك علامة فارقة في تاريخية الصراع العربي الإسرائيلي، ان تكون معركة الكرامة أول الانتصارات واخرها، فمنذ نصف قرن بالتمام والكمال لم ينجح النظام الرسمي العربي في تحقيق نصر عسكري حقيقي على دولة الاحتلال منذ قيامها غصة في قلب العرب على ارض فلسطين.

وأقول أول الانتصارات وآخرها لأنني أدرك تماما معنى ان يحقق النظام الرسمي العربي نصرا عسكريا في مواجهة العدو الصهيوني منذ قيامه بدعم أممي سنة 1948، مرورا بكل مجازره واعتداءاته على الاردن والاقطار العربية الأخرى” مصر، سوريا ،لبنان”، انتهاء بهزيمة حزيران وفقدان الضفة الغربية والجولان وسيناء في شهر حزيران سنة 1967.

جاءت معركة الكرامة الخالدة قبل مضي سنة على الهزيمة الحزيرانية النكراء، تلك التي ألقت ولا تزال تلقي بظلالها وتداعياتها السوداء على العقل العربي المشرقي ــ على الأقل ــ حتى هذه الساعة، وبعد ان وهن الساعد العربي، وفقد كل امل له في تحقيق نصر ولو صغير يعيد له الثقة بنظامه العربي الرسمي أولا، وبنفسه ثانيا.

حين حدث النصر في الكرامة أعيدت الروح للأمة العربية، ثمة فارق أحدثته معركة الكرامة يوجب التوقف عنده ودراسته وتحليله، فقد أظهرت قوة الإرادة في مواجهة قوة السلاح، وهناك على اراضي الكرامة بدا الخيط الفولاذي لأسطورة الجيش الذي لا يقهر يشتد في الذوبان حتى التلاشي، هناك فقط كانت ثمة إرادة عسكرية صلبة لا تعرف التخاذل أو التراجع قررت خوض الحرب بأقل الإمكانيات، وقررت تحقيق النصر بأقل الامكانيات أيضا.

حين تلاحم الدم الأردني والفلسطيني في تلك المعركة بدت كل الحصون الصهيونية مكشوفة تماما، هناك في تلك المعركة اعيد رسم خارطة المنطقة مجددا على خلاف ما كانت تخطط دولة الاحتلال له، ولو قدر لها أن تحقق نصرها في الكرامة لتغيرت كل معطيات الداخل الأردني، ولتغيرت خارطة المنطقة الجيوسياسية والديموغرافية بالكامل، وهذا ما يدفعني لتاكيد إيماني المطلق بأن معركة الكرامة لم تكن معركة عادية بقدر ما كانت معركة استراتيجية بالغة التعقيد والإتساع.

وأقول ذلك وبعد خمسين سنة على وقوعها وانا أدرك تماما إلى أي مدى كان من الممكن أن تتغير المنطقة والقضية الفلسطينية فيما لو حققت دولة الاحتلال مشروعها الإحتلالي التوسعي في وادي الأردن..

اليوم ونحن نتفيأ ظلال هذا النصر اليتيم استذكر معركة اكتوبر 1973 التي خطط لها لأن تكون حرب تحريك باهداف محدودة، وبتفاصيل مرسومة مسبقا، ولا أظن ان عاقلا يمكنه اعتبار حرب اكتوبر حربا خرجنا منها بنصر مكتمل بخلاف معركة الكرامة التي كانت ولم تزل نصرا مكتمل الأركان..

اليوم وتحت ظلال الكرامة لا بد من استذكار كل الشهداء الذين ارتقوا دفاعا عن الكرامة وعن الأمة وعن الوطن المكتمل، ولا بد لنا من استذكار من صنعوا هذا النصر الخالد الذي لا يمكن أن ينسى، وليس من المحتمل أن ينسى حتى وإن رفرفت كل رايات السلام في سمائنا.. لا تصالح فثمة دم بيننا.

نقلا عن الانباط

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى